السبت، 30 أغسطس 2008

كلمة مجموعة من معتقلي انتفاضة ايت باعمران بمناسبة المهرجان التضامني مع نضالات افني بالرباط يوم الأحد 31 غشت 2008 بمقر الاتحاد المغربي للشغل


تحية النضال والصمود مشمولة بعبق النصر والحرية من قلب سراديب وزنازن سجن انزكان النتنة
تحية إجلال وتقدير لكل الإطارات الجمعوية والنقابية والحقوقية في هذا العرس التضامني مع أهالينا الشامخين والصامدين في وجه آلة القمع الهمجية بسيدي افني / ايت باعمران .
ليس المجال هنا للإطناب أو الحديث عن معاناة السجن والسجان ، ولا عن ظروفه القاسية (الاكتظاظ – عزل معتقلي انتفاضة افني عن بعضهم ووضعهم وسط عشرات معتقلي الحق العام ... الخ) لكن ما نود التركيز عليه في هذه الكلمة الموجزة هو الوضع الحالي بايت باعمران والمهام المستعجلة .
في تقديرنا فالنظام المغربي يحاول جاهدا اللعب على عامل الوقت لإضعاف الحركة الاحتجاجية معتمدا سياسة العصا والجزرة. من جهة المزيد من المداهمات والاعتقالات وتعزيز الترسانة القمعية ، ومن جهة أخرى فيض من الوعود المعسولة بجنات التنمية الموعودة... ولعل لقاء سالم بوشعاب (المسمى عامل الإقليم) بالفعاليات الجمعوية المحلية يوم الثلاثاء 26 غشت قد أسقط ورقة التوت عن عورة تلك التنمية ، إذ كيف يعقل أن تطلب الدولة من السكان إعطائها برنامجا تنمويا استعجاليا لكي تنفذه ، اللهم إلا إذا وصل المغرب – دون علمنا– مرحلة الديموقراطية المباشرة !!
لكنه مهما قام به من قمع أو وعود معسولة في اجتماعات فارغة ، فالحركة النضالية لجماهير ايت باعمران لن تتوقف دون تحقيق مطالبنا المشروعة .
رفاقنا في درب النضال والكفاح :
لقد تابعنا بانبهار شديد إسهامكم البطولي في دعم حركة المقاومة والصمود بافني /ايت باعمران ، وتتبعنا بفرح غامر قوافل التضامن مع الحركة الاحتجاجية بالمنطقة . ونؤكد لكم عزمنا الدخول في معارك قاسية وبطولية من داخل زنازيننا من اجل إطلاق سراحنا وإيقاف المتابعات وتنفيذ مطالب الساكنة ورفع العسكرة والحصار عن ايت باعمران .

هاته المعارك التي نأمل أن تكون موازية لمعارك في المنطقة وشتى المدن بتنسيق مع لجن الدعم والتضامن المحلية والوطنية والدولية .
كما نؤكد لكم بأنه ليست لدينا أية أوهام حول فعالية الوساطات والرهان على مافيا الأعيان في إطلاق سراحنا .
وبالعكس من ذلك فإننا على ثقة بان السواعد العارية لشبابنا الثائر والمنتفض دوما في جبال افني / ايت باعمران ، وكفاحية النساء الشامخات اللائي يرفعن سواعدهن عاليا بشارات النصر ويزغردن بكل إباء وسط هدير "السطافيتات" وأدخنة القنابل المسيلة للدموع ، بالإضافة إلى تضامن كل المناضلين والمناضلات من الإطارات الكفاحية في كل ربوع المغرب .
هؤلاء وأنتم هم درب خلاصنا الحقيقي وهم قاطرة انتزاع مطالبنا العاجلة.
ختاما نختتم بمقولة للمهاتما غاندي : " إن ساعة واحدة أقضيها وراء قضبان زنزانة تنسيني ألف كتاب قرأته عن الحرية " فما أروعكم عشاق الحرية .
رفاقكم في النضال :
- بـــــارا إبراهيم - حسن أغربي
-
بومزوغ الحسين - احكون احمد

السجن المحلي بانزكان بتاريخ 27 غشت 2008

وسط جعجعة الحوارات :


السلطات تعتقل اليوم 29 غشت 08 المناضل زكريا الريفي امين مال الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين - فرع سيدي افني من منزله بينما تودعه أمه بالزغاريد وشارات النصر.

المناضل المعتقل حسن اغربي أمين مال مكتب المجموعة المحلية لاطاك افني


من أجلنا اعتقلوا * * من اجلهم نناضل

قراءة ومراجعة لأحداث افني ..

منطق دولة: دفاعا عن الرأسمال ...دفاعا عن سنوات الرصاص..
التاريخ و السياق ..الجلاد و المقاومة


هبت جماهير افني على اختلاف شرائحها الاجتماعية و فئاتها العمرية ، تناضل من اجل رفع التهميش و الإقصاء ،و هبت من جهة أخرى دولة المخزن و الباطرونا تعبئ مختلف إمكانياتها البشرية و الإعلامية لحماية مصالحها و لخوض حملات عقاب جماعية ، سقط من خلالها المفهوم الجديد للسلطة ، وانهار فيه آخر ادعاء بطي صفحات الماضي ...عذب النساء و الأطفال و الشيوخ والشباب في المخافر و في الشارع العام، و في المؤسسات التعليمية ، كما أبيحت فيه الأعراض بشكل غير مسبوق ، بالمقابل رفرفت راية الإستنكار لعموم المغاربة من الجنوب إلى الشمال ، وصنعت فيه الحركة النسوية الحدث بتجلدها و بقدرتها على المقاومة واستبسل فيه الشباب في الدفاع عن مدينتهم بعزم قل نظيره ..
إن تاريخ المغرب المعاصر سيقف كثير أمام السبت الأسود وصلابة الحركة الاجتماعية الرافضة لاستهتار دولة ، و عجز المخزن عن تقديم بدائل مادية سوى القمع و إحيائه لسنوات الرصاص ..
لمحة...
تطل مدينة إفني على المحيط الأطلسي (1)، عدد ساكنتها 20051 نسمة ، تمتد على مساحة 1502 كلم مربع وتضم سبعة تجمعات قبلية في الوقت الحالي : أيت الخمس، أيت أخلف، آيت إعز، آيت النص، آيت عبلة، إمستيتن، إصبويا، تعتمد المدينة على مصدر الصيد البحري و السياحة .تابعة لعمالة إقليم تيزنيت جهة سوس درعة ، حصلت على استقلالها سنة 1969 ، يظهر تاريخ المقاومة الباعمرانية مدى الإرث التاريخي الذي تختزنه قريحة المواطن الافناوي ، حيث الشرف و العزة و الكرامة مرادف للاستمرار في الحياة ، و هو ما يفسر الإصرار وروح التحدي الجماعية التي يتمتع جل الساكنة ، كما يفسر نفس المعطى إصرار المخزن على اجتثاث الحركة و ضرب عنفوانها الممتد .
صورة1: يذكر التاريخ(2) أن انتفاضة ايت باعمران المؤرخة في 23 نونبر 1957 ليست بالأول من نوعها ، بل تعود إلى اتفاقية 1860 حينما وقع السلطان عبد الرحمان بن هاشم مع اسبانيا معاهدة تطوان التي تخول اسبانيا في بندها الثامن حق التدخل في سيدي افني و جزر الكناري santa Cruz de mar pequina ، كما تكرر نفس المشهد إبان عهد الحماية سنة 1912 الموقعة بين السلطان مولاي عبد الحفيظ و فرنسا على اثر طلبه من المستعمر حمايته من القبائل المتمردة ، هده الأخيرة ستعمل في محاولة للتوغل في الأراضي الباعمرانية من خلال عميلها حيدة بن مايس المنبهي التي جهزته بأحدث الآليات العسكرية .انتهت بقطع رأسه و الطواف به لمدة شهر في الأسواق المحلية للقبائل.
صورة 2 : تحالفت قبائل كثيرة في حلف تاكيزولت وحلف تحكات مع قبيلة آيت باعمران لتواجه حملة الجنرال الفرنسي دولاموط سنة 1917. حيث ووجه بمقاومة شرسة انتهت بعقد اتفاقية "الهنا" بينها وبين المخزن بمنطقة ثلاث لخصاص عام 1934. وتنص الاتفاقية أن تلتزم من جهة قبائل آيت باعمران بامهيد الهنا بمقتضيات الصلح فيما بينهم وبين المخزن والمصارفة مع المخزن بإحسان، وأن يخرجون من بلادهم جميع القبائل العاصية ، وخصت بالدكر قبيلتي آيت حربيل وآيت خباش ويمنعوهم من السكن في بلادهم، وأن تلتزم قبائل آيت باعمران بحفظ جميع الطيارات التي تنزل بترابها، ومن جهة أخرى أن يلتزم المخزن بأن لا يدخل بلاد آيت باعمران ، و السماح لها بالمرور في منطقته والتسوق بأسواقه .
صورة 3: سنتين بعد الانسحاب الفرنسي الامبريالي ، تنطلق ثورة 23نونبر1957 لتحكم المقاومة الباعمرانية سيطرتها على مراكز الجيش الإسباني: مركز أسكا - مركز أملو - مركز ثلاثاء إصبويا- مركز تبلكوكت -مركز أربعاء إمستتن... حيث قادت معارك بطولية ضد المستعمر أهمها : معركة بويجاريفن - أسيق أوندر -تحنوت نبلا..دفعت المستعمر الاسباني إلى التراجع و التحصن في آخر مواقعه بسيدي إفني.. انتهت بإعلان تحريرها سنة 1969 بعدد قتلى تجاوز 1700في صفوف الاسبان و 104 في صفوف الباعمرانيين.
منطق الجماهير : دفاعا عن المقهورين ..دفاعا عن مبررات الاحتجاج
1- ..من الاحتجاج العفوي السلمي إلى المواجهة المنظمة .
بيد أن الاحتجاجات لم تكن فقاعات هوائية طفت على السطح، أضحى من الضروري مراجعة سريعة لصيرورة الأحداث ما قبل السبت الأسود، لنتمكن من رصد المنحى التطوري للاحتجاج بسيدي افني.. يشير الكتاب الأسود (3) أن شريط الأحداث الدامية يعود إلى سنة 2005 من خلال متواليات من الأشكال الاحتجاجية ، عرفت أوجها من خلال ملحمة 07غشت2005 التي طالب فيها المحتجون ب " مجانية الصحة و الحق في الشغل و تعويض العائلات ضحايا الاستعمار ومقاطعة الانتخابات البرلمانية "ثم استأنفت يومي الثلاثاء والأربعاء 31 وفاتح فبراير2006 عبر تنظيم لقاءات تواصلية مع جماهير السكان حول مشروعية المطالب قصد وتنظيمها استعدادا لمواجهة الخميس 2 فبراير،2006 التي حاصرت فيه الجماهير الحي الإداري للمدينة وشلت كافة الطرق المؤدية إليه" .
سعت السكرتارية المحلية (قبل أن يتم إقبارها تنظيميا ) إلى خوض العديد من المبادرات الاحتجاجية ولعب ادوار أساسية في المراحل الأولى للاحتجاج مراهنة على الاستجابة المخزنية لمطالبها عبر اختياراتها السلمية إلا أن تطورات الأحداث ، جعلت إمكانية التحكم في قبضة الجماهير للمبادرات الاحتجاجية عصية على الجميع ، زكتها الوعود الكاذبة للمسئولين المحليين و الإحباطات الجماعية المتفائلة بالزيارة الملكية(4) التي التزم فيهال الملك بعدة أوراش تنموية ، حيث تحولت البطالة و الفقر و التهميش و الإقصاء الاجتماعي إلى شبح لم يتخذ إلا منحى تصاعدي ..مما جعل من الشباب العاطل إزاء عمليات استفزاز يومية تتمثل في :
- غياب محاور جاد ومسؤول .
- انتعاشة ملحوظة في رصيد المستثمرين في الميناء و فقر مدقع في صفوف أصحاب الثروة الحقيقية " أهالي ايت باعمران " .
- ترسخ الإحساس بالتهميش و الإقصاء و الميز واستمرار الدولة بالتعامل اللامسؤول للدولة وتفضيلها نهج المقاربة الأمنية بدل التفكير الجدي في خلق فرص عمل قارة و التنفيس عن الأزمة الاجتماعية لإفني بمبادرات حقيقية تمتص الفقر و الجوع اليوميين المسيطرين على حاضر ومستقبل الساكنة .
يطرح السؤال التنظيمي و الاحتجاجي بعده التكتيكي في الدفع برغبة الجماهير في الانعتاق ، فبرغم تأكيد السكرتارية المحلية ، بعزمها نهج الخط السلمي (5)، كان طليعة الشباب ينزف غيضا من سياسات الدولة اتجاه المرافق العمومية ، ومع كل هبة نضال جماهيري تزداد وثيرة الاحتجاج وأشكالها الجذرية ، و الميل إلى فرز صيغ تنظيمية و نضالية أكثر فاعلية و تأثيرا ، تتجاوز منطق الحسابات المزاجية و الظرفية كما حاول البعض تشويه الحقائق..كان الصوت المكافح بهوامش افني يستعد لطرح البديل بعد أن عجزت لغة المراسلات و الاستعطاف ولغة الحوار الدفع بملف المطالب الاجتماعية بلغة جمهرة الشارع و استهداف المصالح المباشرة للدولة المخزنية ...وهو ما يفسر أيضا الإجابات السريعة و الموضوعية لخيار المواجهة للشباب المعطل المنظم في الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين ، ومناضلي اطاك المغرب،.. ولنستعرض أهم المحطات التي أظهرت فيه طليعة الجماهير حسن تدبيرها لأشكال تدخلها ولأشكال التنظيم و آليات الدفاع الذاتي للجماهير وهو:
- حلقيات النقاش المنظمة أو العفوية : إن الانفجار الاجتماعي لم يكن بسبب قرعة مناصب الشغل التي أعلنت عنها بلدية افني حيث 8 مناصب يتبارى عليها 1000عاطل ، فخلفية المباراة لم تكن إلا المتنفس التي سيحول الانتظارات الفردية إلى مجمع للاحتجاج الجماعي ،حيث النقاش اليومي يملا بهو الساحات و يجعل من موضوع المطالب الاجتماعية منظما تلقائيا للنقاشات داخل الأسر و التجمعات الشبيبية
- الميناء: انتقال النقاش من المرفق العمومية للجماعة المحلية إلى مرفق آخر يتمثل في استنزاف الثروات السمكية لمنطقة افني دون الاستفادة المباشرة أو الغير المباشرة له ، مما جعل ضرورة تطوير الفعل الاحتجاجي أمرا محتوما ..فكان الميناء بمثابة أجندة كشف حساب بين العاطلين و الدولة المركزية التي يضعها ميزان القوى الاجتماعي أمام الأمر الواقع بهدف إحراز مطلب التفاوض الجدي.
- الاعتصام: أن خيار الاعتصام و الإجراءات الاحترازية التي قام بها المعتصمون تفيد بوعي تام لما لقرار "البيكتوراس" الافناوي من تداعيات ، بدليل الخطة الدفاعية التي حصن هندستها ماراكمته الجماهير من دروس نضال وتجارب سابقة ومتعددة .. حيث تشكلت لجن الطوارئ : لجنة الدعم المالي -لجنة الإعلام- لجنة التغذية- لجنة اليقظة. ..بغرض تنظيم خطط الفعل الهجومي و الدفاعي للجماهير إبان مواجهة قوات القمع .بين الكر و الفر وتوزيع الأدوار بشكل احترافي وتلقائي .تتعدد أشكالها بين نصب المتاريس و صعود الجبل كشكل تاريخي للمقاومة..حيث تصبح المطاردات تفسح المجال لاستراحة المحارب وإعادة الكرة وهو ما ثم بالفعل في 18-19 غشت 2008حيث سيناريو آخر لاستمرار المقاومة الافناوية إلا انه بمطلب جديد يتلخص في الانتقام لما لحق الساكنة من هتك للعرض .
- يشير الكتاب الأسود الصادر عن جمعية أطاك في عباراته عن تطور الحركة الاحتجاجية من حيث الكيف و الكم مشيرا إلى " بداية تطور تنظيمي ملحوظ للاعتصام وتزايد متنامي، منذ اليوم الثاني فبدأ الرقم يصل ما بين 500إلى 600 شخص من المعتصمين لكن حوالي الثلث من هذا الرقم يحضر نهارا ولا يبيت في الاعتصام "
- تتطور الحركة في محاولة لتجميع اكبر حصيلة مطالب ترضي كافة الأطراف المحتجة لتتجاوز مطلب الشغل ، و لتعكس واقع " الحكرة " وواقع نسيان دولة لساكنة تعامل بنفس منطق الخريطة الاستعمارية ، للمغرب الغير النافع .
2- دولة الرصاص و الجمر .. المقدمات
إن تأملا بسيطا لمنحى تطور الأحداث المأساوية ، يظهر الوعد الذي أطلقه بعض الافناويين في الشريط المنشور على اليوتوب " نعدكم يا أبطالنا بالانتقام " وهو ما يعكس سيكولوجية المجتمع الباعمراني ويضع حدا فاصلا بين مرحلة ومرحلة أخرى ..ويترقب فيها انتقال الدولة إلى استعمال وسائل قمع غير محسوبة لضراوة الاحتجاج و تطوره التصعيدي .و تعتقد الأجهزة الأمنية واهمة أنها باعتقال مجموعات مشتتة من طليعة الشباب و قيادييها المنظمون في إطارات أو تنسيقيات أو الغير المنظمين ، من شأنه فسح المجال لإعادة ترتيب المشهد الاجتماعي و السياسي لإفني و تحقيق مستويات أعلى لإخماد الحركة الاجتماعية و للاستجابة لمطالب اجتماعية ثانوية ،متناسية أن مطالب الساكنة الجماعية هي أعمق و أكثر جذرية ، وقودها الأكثر غزاراة مطلب رد الاعتبار لكرامة الافناوي الذي عايش لحظات المداهمات و اقتحام المنازل و تعرية النساء والعبث بأجسادهن .....فكل رداء امني اليوم ، أضحى لا يمثل للإفناويين إلا عدوا يتربص بممتلكاته وبعرض رجاله ونسائه وبتهديد مقدمات النضال..
إن الشق الثاني من أحداث السبت الأسود انطلاقا من 18 غشت2008 يمثل في الوعي الجمعي الرغبة الملحة في الانتقام من دولة أرسلت قواتها العمومية لتقتحم المنازل و لتعبث بالممتلكات وتغتصب النساء و الرجال على حد السواء و الذي حاولت في الجزء الأول التفنن في رصد سلسلة إجراءات قمعية برع النظام السياسي بالمغرب في سنوات السبعينات في تجريب فاعليتها و درجة تأثيرها على المناطق التي تشهد احتقانا اجتماعيا وسياسيا( الريف..)، نجد اليوم سيدي افني وصفرو و طلبة القاضي عياض مراكش احد أهم الأمثلة المتكررة و التي تجمع على ما يلي(6) :
- عزل المدينة عن محيطها الجغرافي وضرب حصار أمني مشدد على مداخلها ومخارجها ، ونصب الحواجز الطرقية ونقط التفتيش ..
- الاعتقالات العشوائية و الجماعية دون مراعاة للأعمار أو الجنس أو درجة المشاركة في الاحتجاج وحملات تمشيط قصوى باعتقال الطليعة المناضلة و الانوية النشيطة و المتنورة داخل الحركة الاجتماعية بافني .
- النيل من عزيمة وقريحة المحتجين عبر التفنن في السب و القذف و كل مصطلحات يشكل تراث النظام قاموسا لغويا متسخا يتلاءم وجذوره التاريخية .
- الاختطافات الجماعية و الفردية والضرب المبرح عبر استعمال مختلف أشكال الضرب : باللكم وبالعصي والضرب بمقدمة الحداء وفي مناطق حساسة .طبعا لا زمكان لاستعمال العنف و التعذيب المفضي إلى الإغماء : في المظاهرات ، في السراديب ، الشارع العام، المؤسسات التعليمية..
- استخدام المروحيات و الفيالق الأمنية المتعددة الأشكال و استعمال العصي و الادرع و الرصاص المطاطي و القنايل المسيلة للدموع .و"مقالع" الرمي بالحجارة .
- استخدام القارورات الغازية لاغتصاب الذكور من اجل الحط من كرامتهم وامتهانهم أما النساء فكان التحرش و الاغتصاب و الضرب على المؤخرات و ملامسة الأعضاء التناسلية الوسيلة المنحطة لجلاد منحط ،وهي وسائل تتعدد الأشكال و المستويات في ترهيب المعتقلات كما حدث مع الطالبة زهور بمراكش حيث خضعت للتعذيب بالكهرباء ..
- تعرية النساء و لطمهن و جرجرتهن على الأرض هي العملة المضلة لسادية المخزن .بحيث ثم تعرية وضرب أزواج وزوجات في مخافر افني وجها لوجه ..كما ثم الإفراج عن بعض المعتقلات بعد تجريدهن من مختلف الألبسة التي تستر عورة الإنسان .(7).
- احتراف اللصوصية من قبل رجال الأمن ، سرق وجرد السكان بافني وطلبة الحي الجامعي بمراكش من مختلف ممتلكاتهم " نقود-مجوهرات-هواتف نقالة ..".و الشطط في التخريب في محتويات المنازل ومصادرة ما استبيح لرجال " الأمن و القوات العمومية "وهي ممارسات تحيل إلى أشكال العنف و امتداده القروسطي لقانون " الغنائم " التي يوزعها المنتصرون فيما بينهم ومفردات أخرى تحيل إلى اهانة عزيز قوم وادلاله بالقذف و السب و رمزية سبي النساء من خلال احتراف التعرية التي تشكل لدى الجلاد لغته السادية في محاولة يائسة للنيل من الروح الكفاحية للمقاومة بتحقير الجسد وتجريده من اللباس و العبث به ، و تلاوة مدونات من أنواع السب و القذف المدقع..
- توضع الأجساد ككومات زبالة بعضها فوق بعض ..الدماء تنزف ..سخرت المدارس الابتدائية و ثانويتين بالمدينة (أبرزها ثانوية مولاي عبد الله و مدرسة ابن طفيل وحليمة السعدية) كثكنات للتعذيب و مباشرة هجوم الدولة الهمجي ومحطات للاستنطاق و الترهيب.
- حالات اعتقالات عشوائية ممشطة بحالات مداهمات مكثفة للمنازل الآمنة ،حيث تكسر الأبواب بما ملكت اليد "عصي ، بروتكانات.." و تصادر ما بها من محتويات راقت لرجال " الأمن و قوات مكافحة الشغب " .
- استخدام المسدسات كفلم بوليسي مقيت ، وضع فوق رؤوس الأسر (حالة المناضل بارا إبراهيم و زوجته) و التهديد بالقتل أو الاغتصاب وهي لغة مألوفة في قاموس الدولة الرجعي .
- وجهت تهمة تكوين عصابة إجرامية و العصيان المدني و التجمهر المسلح..إلى الكاتب العام لمجموعة اطاك افني: بارا إبراهيم ورفاقه (خالد بوشرى، إبراهيم ممراح، حسن المومني) و (محمد الوحداني، أحمد بوفيم، محمد أطبيب و زين العابدين الراضي المعروف بالجزائري) ، كما اعتقل سبع الليل عضو المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان بتهمة إفشاء أنباء خاطئة وثمت محاكمة الراشدي مدير قناة الجزيرة بنفس التهمة التي سقطت عن جرائد ومنابر إعلامية أخرى أذاعت نفس خبر وجود قتلى ..

استفرد الوزير الأول عبر تصريحه الشهير المخجل " لم تكن هناك أحداث نهائيا "(8) بعد سلسلة من الإجراءات التجريمية لحرية الإعلام، انطلقت باعتقال الصحفي علي المرابط و محاكمة حرمة الله عن جريدة الوطن و الحكم بغرامات خيالية على جريدة المساء ..واستأنفت باغتيال حق المغاربة في إعلام ينقل الحقيقة لا شيء غير الحقيقة ..دوزيم التي تشارك هيمنة القناة الوحيدة " الإثم " ، انتهى بها المآل اليوم إلى أن تصب عدساتها فقط على أضرار المستثمرين في الميناء ونقل تصريحات تغطي السمش بالغربال دون أن تعكس حجم الأضرار الرهيبة التي لحقت بسكانها و بممتلكاتهم .
و هوت بعض التصريحات الحقوقية إلى مستويات غير لائقة بسمعة منظمة حقوقية حينما صرحت أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن ما حدث في سيدي افني لا يمكن اعتباره انتهاكات جسيما لحقوق الإنسان ، وكان النظام القمعي كان في نزهة وان شهادات و ألوان التعذيب الموشومة على أجساد الساكنة كان فنا تشكيليا تتباهى به مؤسسات الدولة ومنظماتها الحقوقية ...ونشرت العديد من الجرائد معطيات تضليلية بلغ بعضها إلى نسب ما حدث لجهات انفصالية وأخرى تعاملت مع المناضل بارا إبراهيم كإرهابي يثير الفوضى و التحريض..ومنحت صورة مقرفة في بداية الأحداث محملة الجماهير تداعيات الأحداث ...في حين كان الصفع و السب يعترض صفوف مصور ومراسل جريدة المساء كمكافأة لاحترامه ضوابط العمل المهني .
توا ثرت الأحداث و تعلمت الجماهير كيف تدافع عن نفسها إعلاميا ، كانت الكاميرات و الهواتف النقالة التي حاول المخزل مصادرتها و لصوصيتها، تكشف حجم إرهاب دولة بأكمله ، وكان اليوتوب يوزع الفيديوهات التي أضحى قبلة لكل محب للاستطلاع ، بالمقابل تحولت مئات بلوكات ومنتديات ومواقع الانترنيت التي ينشط فيها الشباب الغير المهتم بالسياسة إلى مراكز للمناقشة و التعليق على ماحدث ..أما الجرائد والقنوات الفضائية التي تحيزت للسلطة فقد وجدت نفسها بقوة الفضح الإعلامي تعدل بعضا من إيقاعها خصوصا بعد اعتراف الدولة بوجود "بعض الانزلاق " و خلق لجنة تقصي برلمانية ..
3- حركة جماهيرية و تضامن متجه نحو الفعل..
إن أهمية دروس تنظيم أشكال الدفاع الذاتي للجماهير ، يثبت حقا أن نظرية التنظيم الحقيقية لا تبنى بالإرادية و بأجهزة التحكم المباشرة و الغير المباشرة بل بالمشاركة الحميمية لنضالات الجماهير ومراعاة شروطها وعدم القفز عن مراحل تطورها الفعلي الغير خاضع لقانون أو منظومة ثابتة .
تستمر الدولة في سياساتها المعادية للجماهير ، بالمقابل تستمر الجماهير في إنضاج شروط انفجاراتها البركانية ، قد تختلف مواعيد تشظي حممها وفق خصوصيات المناطق ودرجات وعيها الجماهيري ومستوياتها المعيشية ، إلا أنها في غالبيتها تعلن عن ذاتها ضمن شروط من ردود فعل عفوية في المناطق التي لا زالت تراكم أسباب احتجاجها ، إلا أنها تشترك مع غيرها في العزوف عن الاندماج في مخططات الدولة البرنامجية : انتخابات ، مشاريع تنموية ، مبادرات اقتصادية ... بالمقابل تشهد المناطق الزاخمة بحركية اجتماعية حقيقية : بوعرفة ، افني ..مقاطعة نشيطة لسياسات الدولة القائمة على التهميش و الإقصاء ، ويزداد هدا الوعي تدفقا و متانة كلما اكتشفت الجماهير خيانة التمثيليات الحزبية وضرورة قيادتها لمطالبها بنفسها .
في افني المناضلة عجز البرلمانيون ( العدالة و التنمية ) من إيقاف زحف حركية الشارع المدوية أو إقناع المعتصمين برفع الاعتصام ، لأن ذاكرة الجماهير تراكم القناعات التحفظية من هذا أو ذاك اتجاه السلوك اليومي للتمثيلية الحزبية ، حيث لا يزال عالقا بدهنها موقفه الرافض لحركية 07غشت 2008 ، أما البرلماني الاتحادي عبد الوهاب بلفقيه فقد ظل المعتقلون يتداولون اسمه فيما بينهم كونه احد من حضر دورات التعذيب ضمن اللجنة الأمنية المشرفة على الاستنطاق .
إن الحركية التضامنية التي شهدتها مدينة افني من قبل قواها الذاتية ، تفتح أسئلة كثيرة حول مستقبل تجميع قوى اليسار من حيث وحدة المهام البرنامجية ، كما تثير سؤال المستقبل السياسي للحركة الاجتماعية بالمغرب ، في شروط راهنية تتسم بإشارات مقلقة حول الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية ، وفشل الدولة المخزنية في تقزيم الفوارق الاجتماعية ، و إيقاف لوبي استنزاف الثروات المحلية ونهب المال العام ، و تفويت الخيرات المحلية لصالح الرأسمال العالمي وإصرارها على ضرب الخدمات الاجتماعية و إخضاع الحاجيات الأساسية للسكان لمنطق السوق ومتطلباته .
تشير كل المقدمات أن ميزان القوى الأساسية للحركة صنعه الافناويين أنفسهم من خلال :
- الإضراب العام المحلي : دعت المكونات المحلية و السكان إلى شن إضرابات محلية تضامنية واحتجاجية على أشكال التدخل المخزني.استجابة مختلف الشرائح الاجتماعية لمطلب الإضراب في العديد من المحطات فأقلت المحلات التجارية ، وعرفت المدينة حالة شلل اقتصادي لمدد زمنية في إشارة رمزية لحركة التضامن المحلي.
- الحركة النسوية المناضلة : ظلت النساء في مقدمة المبادرات و التحدي ، وهو ما يفسر شراسة المخزن في التعامل مع النصف الآخر للرجل ، عبرن عن أشكال جريئة ، لبسن السواد تعبيرا عن الحداد لمدينة تغتالها القوات المخزنية ، قدنا المسيرات ، نضمن أشكال التضامن العفوي بالنسبة للأسر التي تعرضت للضرر (الأكل – الأفرشة- الألبسة – التطبيب..).سهرن على الدفاع عن الحركة الاحتجاجية حتى وهن رهينات الاعتقال ..كنا في مقدمة المسيرات رغم تكرر حالات القمع الرهيب ..والأهم من كل ذلك كنا السباقات إلى فضح ما مورس عليهن من تحرش واغتصاب وضرب في بيئة جد محافظة لكي لا يتكرر ما حدث..
- الإدارة الجماعية للمعركة المفتوحة: بعد أن عجز من تبق في السكرتارية المحلية في إقناع المحتجين بضرورة فك الاعتصام، اتجه المنحى العام إلى التصعيد حتى نهايته..بل اتهمها المغاضبون بأنها " باعت الماتش" (9)
- المهاجرون: شكل المهاجرون القوة الإضافية لحركة الاحتجاج الرافض لسنوات الرصاص الملازمة للمخزن ..كما ساهم دلك في تدويل أشكال التضامن و التنديد بسياسات الدولة و كشف آخر ورقة حول اكدوبة" طي صفحات الماضي.
ساهمت القوى المناضلة بإرساء مطلب تسريع قوافل التضامن وكسر الحصار الأمني لمخزن اعتقد انه استكمل خط احتواء النخب و المكونات الحزبية ..كما شكلت حملات التضامن التي قامت بها اطاك المغرب – الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – المركز المغربي لحقوق الإنسان وبعض المنابر المناضلة ، أحد الأشكال الأساسية في بلورة رأي عام قويم ، وجدت في المنابر الديلية و الأصوات المدافعة عن الاختيارات المخزنية مكشوفة ..هدا ويسجل بأسف عجز القوى النقابية عن بلورة موقف وطني واضح اتجاه حالات القمع الجنوني للمخزن لرد فعل حركة اجتماعية على تهميشها و إقصائها ..
آفاق الحركة ..منحى التثوير أو الاحتواء
تتجه الحركة الاجتماعية اليوم بافني نحو سيناريوهات شتى ومتعددة إلا أنها في عموميتها تتخذ منحنيين استراتيجيين أساسيين :
منحى حركي جماهيري يضعف تحكم الجهاز المخزني بهده المنطقة ، وتدفع الساكنة اتجاه أشكال تدبير ذاتي لملفاتها المطلبية ..حيث تقطع حبل الصرة مع جهاز الدولة خصوصا بعدما ألحقت ضمنيا بالمطالب الاجتماعية مطلب رد الاعتبار لساكنة افني لما طالها من إساءة وتدنيس من قبل أجهزة الدولة القمعية .
منحى تعلن فيه الدولة عن أخطائها بعدما تفشل كليا في احتواء الأزمة لتجد نفسها أمام خيارين " إما خيار المحرقة الجماعية حيث كل وسائل الردع ممكنة " مع المخاطرة بانكشاف عورة الحكومة و حدوث أزمة سياسية عميقة..أو خيار واقعي تتراجع فيه الدولة عن مطلب استرجاع هيبة "المخزن " مقابل حالة هدنة تمنح فيه الساكنة بعد المطالب الأساسية ، حيث تضع لنفسها إستراتيجية طويلة المدى من اجل إفساد الجو العام و اختراق الحركة و اغتيال لبنات المقاومة و شراء الذمم و الضمائر الحية ..
إن كل الاحتمالات و الخيارات واردة ومطروحة على ارض الواقع ..ويزيد من تأكيده ما ستشهده الأحداث المقبلة قبل وبعد موعد الانتخابات القادمة ..وسيوكل لموازين القوى وتشكل الحركة الاجتماعية بالمغرب على مختلف التراب سؤال الحسم النهائي للسيناريوهات التي لا تنتجها فقط الشروط الموضوعية ( الاقتصاد ، التحولات الاجتماعية ) بل أيضا الشروط الذاتية ( البدائل الحزبية – بعد الحركة الاجتماعية وما تلفظه من مؤثرات خارجية – أشكال التضامن وتماسكها – القوى النقابية – جغرافية الاحتجاجات ..)
هوامش:

(1)الإحصاء العام للسكنى و الإسكان لسنة 2004
(2): موقع http://www.ifni2008.com بوابة سيدي افني موقع ويكيبيديا http://ar.wikipedia.org/wiki سيدي افني .
(3) صدر الكتاب الأسود هن جمعية اطاك المغرب بناءا على تقرير أعده مناضلون من خلال احتكاكهم المباشر بالحركة الاحتجاجية بإفني تجدون نسخة أولية منه http://maroc.attac.org/livrenoirsidiifni.pdf
4)ترأس الملك محمد السادس، بمركز سيدي إفني، مراسيم التوقيع على اتفاقية التأهيل الحضري للمركز، بكلفة تزيد عن 115 مليون درهم، واطلع على مشاريع تهم البنيات التحتية الطرقية، والتزود بالماء الصالح للشرب بإقليم تيزنيت، فيما أعطى الانطلاقة لبرنامج تزويد مركز سبويا و19 دوارا بالماء الصالح للشرب، بكلفة مليونين و570 ألف درهم
(5) بيان السكرتارية المحلية لسيدي إفني الصادر بتاريخ: 30 يونيو 2006
(6) نقلا عن شهادات وصور فيديو : شريط السبت الأسود للمخرجة سعاد كنون – ما تناقلته جرائم المداهمات على موقع اليوتوب –.
(7) تقرير اللجنة الحقوقية الوطنية المشتركة لتقصي الحقائق حول أحداث سيدي إفني بتاريخ: 14 هيئة حقوقية .
(8) تصريح عباس الفاسي للقناة الثانية في شان السبت الأسود .
(9) شهادة السيد الطالبي محمد سالم وهو رئيس جمعية مار بيكنيا، رئيس الفرع المحلي للهيئة الوطنية لحماية المال بالمغرب، وعضو مؤسس للسكرتارية المحلية بمدينة سيدي إفني..مأخوذ من الباب الثالث عن تقرير اللجنة الحقوقية الوطنية المشتركة لتقصي الحقائق حول أحداث سيدي إفني بتاريخ: 14 هيئة حقوقية..