الأربعاء، 16 يوليو 2008

تحديات التنمية المستديمة

ثمة علم يعاني من إثبات صورته ويعرف تطورات غير متوازنة في مختلف المجالات المعرفية وهناك تكنولوجيا تتطور بشكل مروع لكنها وبشكل واضح غير قادرة على ضمان تنظيم نفسها اجتماعيا، بهدف حماية البيئة والتغلب على الفقر، كما أن هناك أزمة للتنمية في جل المجتمعات. هذه هي المشاكل التي تبرز في إطار تحليل العلاقات ما بين البيئة والتنمية.
لهذا سنتناول في هذا المقال، التحديات التي تواجه التنمية المستديمة :
- التحديات:
هناك أربع تحديات كبرى يجب رفعها في إطار عملية حماية البيئة بهدف تحقيق تنمية مستديمة:
1) استهلاك الطاقة والتوازنات الطبيعية:
البيئة أو بالضبط "الإيكوسفير" بمعنى الوسط المتفاعل والمشكل من تبادلات وظيفية ما بين الهواء (الغلاف الجوي)، الماء (غلاف الأرض المائي)، العالم المعدني (الغلاف الصخري) والعالم الحي (المحيط الإحيائي)، يظهر اليوم على أنه مهدد في توازناته الأساسية بسبب توسع النشاط الصناعي الذي طبع القرن العشرين.
إن المشكل الإيكولوجي الأكبر هو ذاك المتعلق بالنفايات التي لم تخضع لإعادة التصنيع، بمعنى تلك المواد التي تصنع خلال سيرورة التحويل الإنتاجية بحيث أنها لا تستطيع الاندماج مع الميكانيزمات الخاصة بالتنظيم الذاتي للبيئة. فكل إضرار بتركيبة العناصر الخاصة بالنظام البيئي تفرز لنا ما نسميه بالتلوث، حيث نميز بين التلوث الجزئي والتلوث الكلي حسب جسامة الأضرار على الدورات الطبيعية وأهمية اختلاف التوازنات، التي تنتج عن ذلك. وكما نعلم فالمصدر الرئيسي للتلوث الكلي مرتبط باستهلاك الطاقات الباطنية، لكن الطاقات البديلة ليست أقل خطورة من الأولى بل أنها ميتة بالنسبة لأنواع الحية.
بفعل التأثير المصاحب لاحتراق المواد الباطنية –غاز، نفط، كاربون، إلخ...- والقضاء على المحيط الغابوي، فإن تركيز غاز الكاربون في الهواء لم يتوقف عن الارتفاع منذ بداية القرن، حيث تقدر نسبة ازدياده في الهواء سنويا ب: 0,2%. كما أن هذا الغاز له قدرة على منع انعكاس الأشعة الشمسية تحت الحمراء في الفضاء، وبالتالي فهذا التركيز المرتفع له تأثيرات على حرارة الأرض. فالعديد من الدراسات تؤكد أنه إذا تضاعف تركيز الكاربون في الغلاف الجوي (وبعض الدراسات ترى أن هذه الحالة ستتحقق في القرن 21). فإن متوسط حرارة الأرض سيرتفع من °1,5 إلى °4,5 ويعتبر "de serre" أن هذا التأثير سيكون وشيكا إذا أخذنا بالحسبان ازدياد تركيز غازات أخرى كالميثاق أو أوكسيد الآزوت. كما نعلم أن الاستعمال المكثف للغازات (Aérosols) أدى إلى إضعاف طبقة الأوزون (على مستوى الغلاف الجوي). كما سهل تسرب الإشعاعات الشمسية. وأخيرا، فإن تحولا عميقا سيطرأ على درجة حرارة الأرض التي تعرف تفاوتا حسب خطوط العرض، ونظم الرياح و التيارات البحرية وبالتالي التساقطات المطرية. بالإضافة إلى مستوى البحر الذي من المتوقع أن يرتفع ليحجب بعض البلدان عن الخريطة. لهذا سنقبل بأنه إذا بلغنا مستوى معين من تركيز غاز الكاربون أي ضعف المستوى الحالي (لتحقيق هذا يلزمنا 900 سنة)، فإننا نفترض بأن تصبح كل احتراقات المواد الباطنية معلقة. ويضاف إلى هذا تزايد النمو الديموغلاافي على مستوى العالم وعواقبه المحتملة على النشاط الاقتصادي الشامل، والتي تقود إلى توقع نسب تركيز عالية جدا. كيف إذن يمكننا إبراز خطر الإخلال بالتوازن الحراري وكيف يمكن تحديد منهج معين للتحول الطاقي؟. إذن فعدم التراجع عن هذه النشاطات سيصبح مبدأ مركزيا بالنسبة لهذه العلمية.
هناك مصادر طاقية أخرى متوفرة والتي قد تكون أقل إضرارا بتركيبة الغلاف الجوي، ونذكر هنا الكهرومائية والانشطار النووي. إلا أن الكهرومائية ليست بالضرورة مجردة من الأضرار (أضرار بالمواقع، أخطار تصدع السدود، الارتباط بالعوامل المناخية). زد على ذلك أنها لا تشكل بالنسبة لعدة مناطق سوى طاقة مكملة في إطار سياق صناعي متطور. أما فيما يخص الانشطار النووي فهو يضم ثلاثة أنواع من الأخطار. فمن جهة، هناك حادثة "تشرنوبل"، التي نذكرها بكل حزن، حيث أن المراكز النووية تشكل خطرا كبيرا بالنسبة للساكنة المحيطة بها وبالنسبة للدورات البيولوجية التابعة للمناطق المعنية، هذا بخصوص شعاع يستطيع الذهاب حتى آلاف الكيلومترات من مصدر بعث تلك المواد الخطيرة. ومن جهة أخرى، هناك تخزين النفايات التي لها نشاط إشعاعي والتي تشكل ولقرون قادمة مصدرا دائما لتلويث ممكن للبيئة، كما أن عملية إلقاء النفايات في البحار أو نقل المواد الخطيرة تجاه المناطق المحرومة لا تؤدي سوى إلى دفع الخطر إلى هناك حيث لا توجد تلك الضمانات التي تقدم سياقا تكنولوجيا متقدما على مستوى مراقبة أخطارها. وأخير، فازدياد المراكز النووية يجسد تلك التهديدات المتمثلة في تكاثر الأسلحة النووية خارج إطار أي تنظيم أو تقنين دولي. بالإضافة إلى أن الاستعمال العسكري للطاقة النووية يسبب خطر الحوادث خلال زمن السلم (حوادث الطائرات والغواصات، حاملات الرؤوس، أخطاء بشرية، ومعلوماتية، انحرافات إلخ...) فهو الآخر يتحمل أخطارا هائلة.
إلى جانب هذه الأنواع من التلوث الكلي التي تستطيع، والى حد كبير أن تجعل كل حياة على الأرض مستحيلة، فالتأثيرات الفيزيائية الأخرى للتصنيع على البيئة تستطيع أن تظهر على شكل أضرار بسيطة: كتلوث الهواء في المراكز الصناعية الكبرى، تأسيس المدن العملاقة (Mégapodes) وتدمير المناطق الخضراء، ...إلخ هذه الأضرار التي تظل في تزايد مستمر إنها حالة تشويه المواقع عن طريق المزروعات الصناعية أو السياحية وتدمير الغابات عن طريق الأمطار الحمضية واختفاء عدد كبير من الأنواع الحيوانية. حيث يرى بعض المختصين أن عملية الاختفاء هاته ستطال 20% من الأنواع خلال العشرين سنة القادمة والتي كانت بنفس القدر خلال الستين مليون سنة الماضية.
إن الآراء المذكورة فيما يخص ارتفاع حرارة الأرض عن طريق احتراق المواد الباطنية، تعتمد على فرضيات معقولة بخصوص معدلات النمو السكانية والاقتصادية الحالية لمختلف الدول الصناعية والتي ترتبط بنظيرتها في الدول السائرة في طريق النمو. حيث أن الإنسانية جمعاء والتي قدر عددها سنة 2000 ب 6 مليار شخص، تستهلك طاقة تعادل تلك التي تستهلك في بلد صناعي كفرنسا مما يجعل الاستهلاك العالمي للطاقة يرتفع إلى ثلاثة أضعاف.
2) المخاطر الجوهرية للتقدم العلمي والتقني:
في عصرنا هذا، تضطلع التقنية بتحديد طريقة توجيه التقدم التقني. إنها وضعية خطيرة، في عصر يتميز بتقنيات جد مصنعة ويتضح ذلك انطلاقا من الاكتشافات العلمية التي تهم بنية المادة العضوية والغير عضوية التي بلغت عتبة تحرير كمية مهمة من الطاقة ومن المواد الإشعاعية القادرة على الإضرار ببنية الكائنات ككل، بهدف مراقبة تطور مختلف الأنواع، وبالتالي فهم النوع الإنساني والتغلب على بعض العوائق الخارجية عن طريق إحداث تغيرات داخلية على الموروث الجيني. فالمشكل المطروح من خلال هذه التقنيات الجديدة، مضاعف: فهناك ما هو مرتبط بقصديتها -في أية حدود وتحت أية شروط نستطيع أن نحفز تطبيقات النقل الجيني أو نقل الطاقات إلى مستويات عالية؟- وهناك ما هو متعلق بالأخطار المتوقعة. بالإضافة إلى أن بلوغ الأنشطة النووية أعلى مستوياتها يجعلنا نتوقف عند التكنولوجيا الإحيائية (biotechnologie) المرتبطة بالتنوع البيولوجي (biodiversité) والطرق والوسائل التي يجب إتباعها من أجل حمايته.
لكن بالرغم من أخطارها، فقد فتحت التكنولوجيا الإحيائية آفاقا في مجالات مختلفة ومتعددة كالصناعات الغذائية الزراعية، الكيميائية والصيدلية أو على مستوى الأبحاث الطبية. إن البوادر الحديثة لهذا العلم (أول تجربة لفصل الجينات "in vitro" تعود فقط لسنة 1973) تمثل ثورة حقيقية في العلاقات ما بين الإنسان والطبيعة: حيث عملت الهندسة الوراثية على التوصل إلى نباتات ذات مميزات جديدة على المستوى الوراثي، لنبقى في انتظار أن تصبح قادرة على تثبيت الآزوت بشكل مباشر في الهواء، كما أن هناك دراسة لعمليات موج جيني تسمح بإمكانية التوصل إلى حيوانات خاصة بالمجزرة تكون أكبر حجما، ولحومها أقل دسامة، بالإضافة إلى أبقار حلوبة ذات إنتاجية عالية. ففي القريب العاجل ستكون هناك إمكانية القيام بجراحة حقيقية حتى على الجينات الإنسانية. إذن فالإنسان أصبح بإمكانه أن يتصرف في سلالته دون أن يستطيع تقييم النتائج الحقيقية بهذه التغييرات، كما أنه لا يهتم بتحديد الأهداف والمشاكل الأخلاقية التي تطرحها هذه العملية. فبالإضافة إلى غياب إمكانية تعديل هذه التغييرات الوراثية، هناك عنصري الأخلاق وعدم القدرة على التنبؤ بالنتائج.
إن أخطار التغييرات الجينية هي بالفعل أخطار كبرى ولاسيما أنها غير متوقعة ويصعب التحكم فيها. كما أن البكتريات الجديدة لها قدرة خطيرة على إنتاج غازات سامة أو التسبب في أوبئة لا شفاء منها. إن التغييرات المحدثة على مستوى النباتات المزروعة في الهواء الطلق، تستطيع أن تنتشر وأن تنقل خصائص جديدة على مستوى الأنواع الأخرى، الشيء الذي يمكن أن يكون كارثيا خصوصا إذا كانت هذه الأعشاب المضرة قادرة على مقاومة المبيدات والحشرات التي تدمرها. بالإضافة إلى أن الحيوانات المعدلة وراثيا لها عواقب طبية تكمن خطورتها في كونها تستطيع إعادة إنتاج نفسها وبالتالي التسبب في نتائج غير محسوبة بالنسبة لمصير النوع. أمام هذه الاحتمالات الجديدة بخصوص هذه العملية، تطرح مجموعة من الأسئلة الرئيسية بشكل عاجل، هل دينا الحق بأن نتدخل في جينات الجنين البشري بهدف "تحسينه"؟ فمن علم المداواة إلى علم التعديلات الجينية ليس هناك سوى خطوة سهلة التجاوز: فهل من الواجب منع أي نوع من علم المداواة الجينية على الجنين؟ ألا نخاطر بإتلاف نهائي للنوع البشري بالسعي إلى تحسنيه؟ كيف إذن يمكننا تقييم مشروع له عواقب طبية ويسعى إلى تحقيق تحولات جينية انطلاقا من المني البشري.
3) الصراع ضد الفقر والضبط الاجتماعي للمعرفة:
قد نتفق جميعا على أن الصراع ضد الفقر يشكل أحد التحديات لسياسات التنمية ولتوظيف المعارف العلمية والتقنية. وتعرف الفروقات في الدخل داخل البلد الواحد أو بين الدول بعدا هائلا. كما أن حجم المعارف العلمية أو التقنية التي يجب تحريكها من أجل القضاء على الفقر تبقى غير كافية. هذا مع العلم، أنه في الحالة التي تم فيها توظيف هذه المعارف، وفي الحالة التي تغيرت فيها خريطة التكنولوجيا في العالم، لم يتراجع الفقر بطريقة ملموسة ولم يتم المحافظة على البيئة أيضا.
لقد عرفت التكنولوجيا انتشارا دوليا مكثفا خلال 25 سنة التي خلت، كما عرفت الخريطة الصناعية والفلاحية للعالم تغيرا جذريا. لكن إذا استثنينا بعض الحالات القليلة لم تؤد هذه التحولات إلى النتائج المرجوة على مستوى التنمية المستديمة وتقليص ظاهرة الفقر. لقد تم الخلط في حالات عدة بين التحولات التكنولوجية والتنمية والتكنولوجية المحلية، كما لاحظنا أن بعض الدول لا تستعمل بالقدر الكافي إمكانياتها المعرفية والتقنية وقدراتها الصناعية وذلك نتيجة إتباعها سياسات غير منسجمة ومحكمة اتجاه التكنولوجيا. كما لاحظنا بلدانا أخرى تتسارع في إقامة مشاريع كبرى لا علاقة لها بإستراتيجية اقتصادية كلية ومنسجمة، بل بالعكس أدت في معظم الأحيان إلى تأثيرات سلبية على البيئة.
وبناء عليه يطرح السؤال التالي: ألا تشكل بعض أشكال الاستيرادات للتكنولوجيا من طرف الدول النامية عائقا ضد تنميتهم العلمية؟ ومن الأهم بما كان أن يطرح هذا السؤال لأسباب عدة، ومن جملتها توفر الموارد الخارجية. وعلى العموم إن أغلب الدول السائرة في طريق النمو لم تستطع امتلاك مراقبة تكنولوجية الاختراع والإنجاز وتوظيف وسائل الإنتاج، ففي إفريقيا وفي جنوب الصحراء الكبرى وعلى الخصوص في بعض الدول العربية أدت وفرة الرساميل إلى تبني اختيارات رأسمالية بدون أي ارتباط معقول مع أهداف ووسائل هذه الدول.
4) النمو الديموغرافي
ويتجلى التحدي الرابع في النمو الديموغرافي؛ ومن الطبيعي أن يتفاقم الفقر وتتفاحش الفوارق ويشتد بموازاة مع هذا الضغط على الموارد الطبيعية. 95% من الولادات تتم حاليا في البلدان النامية، وتوقعات منظمة الأمم المتحدة أن تسعة أعشار من هؤلاء الناس سيعيشون في النصف الثاني من القرن 21 في البلدان الأكثر فقرا. وأن التطور العالمي لبنية التقنيات والأسواق ورؤوس الأموال غير مكثرته بالتكتلات البشرية القادمة وسوف تزيد من تهميشهم ويصبح الفقراء لأسباب جغرافية الأكثر عرضة لقلة الماء والموارد الطبيعية من أجل تنميتهم، كما أن زراعتهم الهشة ستزيد من مخاطر المجاعة وإتلاف الأراضي. ويعرف مستوى العلاج الطبي اختلافا هائلا بين الدول الغنية والدول الفقيرة، حيث أظهرت المنظمة الدولية للصحة فوارق متطورة في وسائل التطبيب ومتوسط العمر بين دول الشمال والجنوب. وقد يزداد هذا الفرق اتساعا مع التطور السريع للأساليب العلاجية في البلدان الصناعية وغياب أو افتقار بنية تحتية صحية صالحة لتوفير العلاج في معظم دول المعمور. وفي هذا الصدد لا يسعنا إلا أن نندد بالذين يعتبرون بأن نسبة الوفيات المرتفعة في بعض مناطق العالم تقتضي منا تحليل سيرورتها، وثيرتها، ووسائلها وأن ندرس بطريقة أحسن علاقتها مع البيئة. إن الصراع ضد الفقر لا يمكن أن يتجسد إلا ضمن تغيير متواز وعميق لأنماط السيطرة وإعادة الإنتاج.
ترجمة:بولعلام محمد
اللجنة المحلية لافران أ/ص

سياسات التنمية : تنمية التبعية وتغريب العالم

تمهيد :
إن قضية التنمية والتخلف بأبعادهما وإشكالاتهما المختلفة هي قضايا المجتمع ككل يتعرف من خلالهما على العوائق الايبيستيمولوجية(المعرفية) التي من خلالها نفكر وننتج مفاهيمنا وتمثلاتنا حول :"التنمية" و"التخلف" من جهة . ومن جهة أخرى نتعرف على العوائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحول دون تطور المجتمع وتحديته .وعلى ضوئها يتعرف المجتمع على تاريخه السوسيو-إقتصادي ,ومن خلالها تناقش امكاناته المادية الحالية والمستقبلية, وبواستطها يتم تناول كل الانساق الاجتماعية : تربوية وقرابية وقانونية فضلا عن مساؤلتها الانماط المجتمعية الكبرى الريفية والحضرية.
إن مفاهيم "التنمية" و"التخلف" وما يرتبط بهما من مفاهيم وتصورات متباينة , وكذا مختلف الاسماء التي تكنى بها المجتمعات "النامية" ليست مفاهيم محايدة على الاطلاق , اذ تنطلق من مرجعيات غربية شادة متمركزة حول الذات , من أجل الهيمنة والسيطرة على الشعوب ,ونهب ترواتها المادية والبشرية وتكريس تبعيتها للمراكز.فاذا كان الاستعمار القديم يسمى حماية فان التنمية جزء من السياسة الستعمارية القديمة والجديدة في نفس الوقت التي تمد اليد للتعاون ولكن تخفي وراءها أهدافا غير معلنة. فكما تم استنزاف وتدمير البلدان النامية باسم الحماية ,يتم حاليا استنزاف ترواتها وتدمير بيئتها باسم التنمية : ان تنميتهم تعني ضمان استمرار وانتشار النموذج الغربي(الاقتصادي) بطريقة شمولية وماالى نهاية ؟
إن فهم ظاهرة "التنمية" لا يزال بحاجة الى فهم جديد عبر نوع من الدراسات النقدية "الراديكالية" وأعتقد ان الخطوة الاولى في هذا السبيل هي توضيح الاهذاف والمبررات السياسية الكامنة وراء معظم "النماذج التنموية" المطروحة في سوق التداول والعملي والنظري .كل ذلك من أجل الوصول الى نظرية تؤكد العناصر البنائية للتنمية مستندة في ذلك الى فهم حقيقي لتاريخ وجود :مجتمعات "متقدمة" و"متصنعة" و"ديموقراطية" جنبا الى جنب مجتمعات تتسم من جهة بالفشل والارتباك في جل مشاريعها التنموية ,وتتسم من جهة أخرى بالاستبداد وعدم الاستقرار السياسي .
مفهوم التنمية :
يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى بـ "عملية التنمية"، ويشير المفهوم لهذا التحول بعد الاستقلال -في الستينيات من هذا القرن- في آسيا وإفريقيا بصورة جلية. وتبرز أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم والتغيير الاجتماعي.

وقد برز مفهوم التنمية بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يُستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني البارز "آدم سميث" في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء، فالمصطلحان اللذان استُخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا التقدم المادي ، أو التقدم الاقتصادي . وحتى عندما ثارت مسألة تطوير بعض اقتصاديات أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر كانت الاصطلاحات المستخدمة هي التحديث ، أو التصنيع . إلا أن انطلاقته الحقيقية بدأت في عقد الخمسينات والستينات بعد(استقلال) الدول المستعمرة غير ان استخدامه يكتنفه بعض الغموض اذ يتم خلطه بمفهوم "التغيير الاجتماعي"على ما فيه من خلط وإساءة مدلول كل منهما. ويحمل مفهوم التنمية معنى أكثر دقة وتحديدا من مفهوم "التغيير الاجتماعي" ,وجدير بالذكر ان التنمية في معناها الاصلي كانت مرادفة للنمو او الانفتاح على الامكانات والطاقات.
إلا ان "التنمية" كمفهوم يستخدم دوليا على نطاق واسع الان ,لاتشير الى عملية نمو تلقائية ,وإنما إلى عملية تغيير مقصود تقوم بها سياسات محددة وتشرف على تنفيدها هيئات حكومية مسؤولة تساعدها هيئات على المستوى المحلي ( المنظمات غير الحكومية والجمعيات المختلفة) تستهذف إدخال نظم جديدة ,أو خلق قوى إجتماعية جديدة مكان القوى الاجتماعية الموجودة بالفعل ,وإعادة توجيهها وتنشيطها بطريقة جديدة ,وتهيئة الظروف المتعددة ,لهذا الجانب من التغيير الاجتماعي الذي يطلق عليه "التنمية".ومن الخصائص المميزة للتنمية أنها ليست عملية تطور تدريجي وتلقائي , حيت أنها تتم على أساس التدخل المستمر والمقصود في المجتمعات ,وتستمر عبر هيئات التنمية التي تكون جزءا من بناء الدولة.

مفهوم التخلف :
إن الحديث عن التنمية يختلط دائما بالحديث عن "التخلف" و"التقدم" ,فالتقدم هوغاية التنمية ,والتنمية هي عمليا بناء أسس ومقومات النظام الاجتماعي – الاقتصادي المتقدم .لذلك فإنه من الضروري تناول مدلول مفهومي :"التخلف" و"التقدم" باعتبارهما مفهومين مترابطان جدليا وعلاقتهما متبادلة :علاقة شرط وإنجاب .
لقد داعت غداة الحرب العلمية التانية مجموعة من المفاهيم لتشير الى مجموعة من الدول التي كانت تنعت بالمجتمعات التقليدية او التاريخية أوالراكدة ,وواضح من هذه التسميات والنعوت إنها تمثل أحكاما تقديرية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية الغرض منها إقامة مقارنة الدول بعضها ببعض ووضعها في مراتب بعضها فوق بعض .مع ما في ذلك من تعسف وتحكم شديدين نظرا لاختلاف الحكم التقديري باختلاف المعيار الذي يقوم عليه والغرض الذي يوضع من أجله مما يجعل من الصعوبة بمكان الاتفاق على تعريف جامع للدول المتخلفة ( أو النامية أو السائرة في طريق النمو كما يقال عادة ) .
ويتكون العالم الثالث من المجتمعات التي لم تصل بعد إلى مستوى عال من المعيشة من وجهة النظر الاقتصادية .واذا نظرنا الى العالم التالت من زاوية التنمية الاقتصادية (او النمو) فان معضم البلدان التي يتكون منها تشغل مكانا يمكن فصله إجرائيا عن المكان الذي تشغله المجتمعات الغربية ,ويمكن ان أشير هنا الى ان كلمة "ثالث" لا تمتل مرتبة تقافية أو قيمة ولكنها تعني في الواقع درجة معينة من درجات التنمية الاقتصادية (النمو) .
الاتجاهات العامة المسيطرة على طبيعة التنمية :
إن التنمية كما سبق تعريفها ترتبط من حيت أهدافها وتصوراتها بالاطار الايديولوجي للمجتمع ,ويضهر ذلك بوضوح من الاتجاه العام الذي تنطلق منه مختلف نظريات التغيير الاجتماعي ,ويمكن ان نذكر بالاتجاهات الثلاثة التقليدية التي سيطرت على طبيعة التنمية منذ عقود من الزمن:
*الاتجاه المحافظ : الدي يرفض البعد التاريخي في دراسة الواقع ومن ثمة لا يربط ربطا واضحا بين النمو الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي ,ويرتبط بهدا الاتجاه المنظور البرجماتي الذي يرفض التحليل الديالكتيكي للواقع الاجتماعي :ويرى ان الواقع الاجتماعي الممكن هو الواقع القائم .
*الاتجاه الوضعي :الذي يرى انصاره ان التنمية تتحقق من خلال تعديلات وظيفية دون مساس بتكامل النسق الاجتماعي القائم واستمراريته.
*الاتجاه الراديكالي : الذي ينطلق من تصورات تقوم اساسا على تغيير الاساس المادي للمجتمع مع ما يستتبع ذلك من تغييرات مصاحبة في نظم المجتمع ,وبالتالي يكون طريق التنمية هو التغيير الشامل لبناء المجتمع ,الذي تفرضه حتمية التاريخ .
ويترتب على الاتجاهات السابقة ,تصور الاستراتيجية الملائمة لتحقيق التنمية ويمكن حصرها في أربع :
1/ الاستراتيجية الامبريقية العقلانية التي تعتمد على رغبة المجتمع المحلي وإستجابته .
2/ الاستراتيجية التربوية التي تعتمد على تغيير نسق الفعل من خلال تغيير نسق القيم والمعاني والتصورات .
3/ إستراتيجية القوة : التي تعتمد في تحقيق التنمية على قوة القانون والاجراءات السياسية والاقتصادية والادارية .
4/ الاستراتيجية الثورية التي تتطلب التغيير الشامل من خلال رؤية أن الاصلاح لا يجدي وأن الواقع الاجتماعي ليس مؤشرا لطبيعة الوجود الاجتماعي .
التنمية كما تشرف عليها الدول الغنية ومؤسساتها : تنمية التبعية وتغريب العالم

لقد شهدت العلاقات الدولية تغييرا جذريا بعد سقوط جدار برلين 1989 وصعود نجم القطب الاحادي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية مما جعل العلاقات الدولية واضحة المعالم من خلال فرض النموذج الرأسمالي و بداية مرحلة الاحتكار الرأسمالي للاسواق وللثرواث ,لتجد هذه المعادلة تتمتها الموضوعية في مرحلة العولمة النيوليبرالية المتميزة بتصدير الرساميل وفتح اسواق جديدة مما يعني توطيد التبعية والمزيد من فرط الاستغلال لدول الهامش , لكن الشيء الذي تغير بالفعل هو الشرعية التي كسبتها دول المتروبول باسم "التنمية" و"الديون" التي تشترط التدخل الدائم في تحديد السياسة الاقتصادية للدول النامية . وعموما توجد في الدول النامية اتجاهات عامة نحو سيطرة الدولة على الاقتصاد والرقابة السياسية المباشرة على المشروعات التي تحتل المواقع الاساسية من الاقتصاد.معنى هذا ,العمل على إعطاء مفهوم "التنمية" مدلولاجذريا يتلاءم مع الاهذاف الوطنية ,الا ان الدول الكبرى( الغنية) هي التي تشرف على تطبيق هذه السياسات المسماة "تنمية " عبر منظمات أو جمعيات تسهر على الوفاء والتطبيق العملي لخلاصات وسياسات هذه الدول دون اي انسجام مع اهذاف الدول النامية ,وهذا ما اوقع هذه الاخيرة في مازق أدت الى هدر الكثير من الجهد والوقت والامكانات المادية ,بشكل اتخد طابع التبدير الذي لايمكن للمجتمع النامي ,ذي الاعباء التقال ,ان يسمح لنفسه به, إنطلق هذا التصور التبعي الذي تترجمه الدول النامية عمليا من مشاريع "تنموية" طنانة ,ذات بريق ووجاهة ,قائمة على دراسات ومخططات جزئية لم تتجاوز السطح معظم الاحيان, كي تنفد الى دينامية البنية الاجتماعية للدول النامية .وضعت خطط مستوردة عن نماذج لا علاقة لها باهذاف هذه الدول تنبني على لغة خشبية وعلى صور نمطية تفتقد للمصداقية والعلمية .إن هذا الفشل هو الذي يؤكد إفلاس أسطورة الفائدة المشتركة والرفاهية الموعودة , و أن القائمين على هذه السياسات يحترفون اللغة ويحترفون الخطاب إذ توجد بين خطابات التنمية والواقع الاجتماعي لشعوب البلدان النامية هوة أكبر من أن تحتويها الخطابات التسويقية للمفاهيم . إن الدول الغنية والقوية تمارس تأتيرها العالمي للدفاع عن مصالحها وأهذافها وإيديولوجيتها ,مما يجعل التعاون التنموي الدولي مجالا للتناقضات العميقة. إدن تخلف الدول النامية هو نتيجة وحصيلة تاريخية للتوسع الرأسمالي ,أي استغلال الهامش من طرف المركز والتجميد المفتعل الذي عرفته شعوب العالم الثالت نتيجة انتشار النظام الراسمالي انطلاقا من المعادلة التالية: الرأسمالية=الاستعمار=نمو البعض=تخلف البعض . فالتخلف يصبح ظاهرة حتمية مرتبطة باستمرارية وهيمنة النظام الرأسمالي على المستوى العالمي ,وبما يقتضيه من استغلال مباشر أو غير مباشر وهيمنة عامة .إن كلا من التنمية والتخلف هما هيكلان جزئيان من نظام عالمي واحد ,هو النظام الرأسمالي العالمي ,هذا العالم الذي يتميز بوجود قوة مسيطرة وقوة مسيطر عليها . بهذا المعنى تصبح "تنميتهم" استعمارا جديدا ينبني على إستغلال ترواث البلدان النامية وكبح طاقاتها الذاتية ,إن التنمية كسياسة رابطة بين دول المركز بكل مؤسساتها من جهة ( صندوق النقد الدولي- البنك العالمي- مجموعة التمانية الكبار...) والدول النامية من جهة أخرى تتميز بالدور الاستغلالي للشركات الاحتكارية الدولية التي وجدت في هذه الاخيرة ضالتها( الاعفاءات الضريبية- يد عاملة رخيصة- تلويث البيئة بدون مراقب...) بالاضافة إلى النهب عن طريق تصدير الارباح الى دول المركز ( الميتروبول) ,وسياسة "المساعدات التنموية " التي تشكل عودة الاستعمار ,واستراتيجية الاستتمارات والتبعية عن طريق الديون ,والاتكافئ في عقد الصفقات التجارية والمعاهدات ذات الطابع التفضيلي. وماذا تعني تنميتهم في أخر المطاف غير ضمان تطبيق السياسات النيوليبرالية :
*فتح الاسواق وتفكيك الاطر التنظيمية الوطنية.
*خوصصة المؤسسات والقطاعات العمومية
* منح المزيد من الديون لضمان التبعية .
*فرض اتفاقيات التبادل الحر( والمناطق الحرة)
لا يمكن التسليم بإمكانية انتقال التنمية عبر التبادل الحر للسلع والرساميل ,وبالتالي سيكون من العبت ترقب ظهور بوادر التقدم على إثر الاندماج داخل الاقتصاد الرأسمالي وفي هذا الصدد يقول الباحث المصري "سمير أمين" :"إن العلاقات القائمة بين تشكيلات العالم المتقدم وتشكيلات العالم المتخلف تسفر عن تفوق في تحويلات القيمة التي تشكل جوهر المسألة في قضية التراكم على الصعيد العالمي ,ففي كل مرة يدخل نمط الانتاج الرأسمالي في علاقة مع أنماط ماقبل رأسمالية التي يخضعها لسيطرته ,تضهر تحويلات في قيم الانماط الاخيرة نحو النمط الاول. "
إن التنمية كما يشرف عليها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي... تعني للدول النامية الخراب: فقر مدقع- بطالة جماهيرية- تلويث للغداءوالهواء...
التنمية المستديمة :

ظهر مفهوم التنمية المستديمة سنة 1980 حيت ثم تبنيه بشكل رسمي من طرف تقرير "مستقبلنا لنا جميعا " ( كما جاء في تقرير برونتلاند) وذلك سنة 1987 إذ برز هدا المفهوم نتيجة عاملين إتنين :
1-نتيجة الهوة ما بين دول الشمال ودول الجنوب ونتيجة البحث عن تنمية حقيقية . 2- الازمة الايكولوجية وضرورة حماية البيئة .
إن هذا التضخم في المفاهيم إذا ما أضفناه الى مفهوم التنمية هو ملهاة إيديولوجية للغرب ( التنمية المستديمة) . فالتقارير الدولية تبين هذا الزيف بوضوح ,إذ نجد في الصفحة (10) من تقرير بروتلاند " من أجل ان تتحقق التنمية التنمية في العالم باسره لابد للبلدان الغنية ان تلتزم نمطا للعيش يحترم الحدود البيئية للكرة الارضية " ولكن بعد عدة صفحات يسترسل التقرير " وأخدا بعين الاعتبار نسب التطور الديموغرافي ,هذا يقتضي من الانتاج الصناعي ان يرتفع من خمسة الى عشر حتى يتم اللحاق بمستوى الاستهلاك عند الدول المتقدمة لذات المنتجات الصناعية ." يعتبر مفهوم "التنمية المستديمة "إحدى المفاهيم التي تم ابتكارها من أجل إدخال قسط من الحلم ضمن واقع التطور الاقتصادي القاسي ويعتبر هذا التضخم في المفاهيم نوعا من التجنب للاوجه السلبية للتطور الاقتصادي .من أجل فهم الحكم التشاؤمي حول طبيعة ومصداقية تنمية مستديمة ومستخلصين النتائج المترتبة عنه يجب أن نقطع مع تلك الاستراتيجيات المغرضة والدجالة ومواجهة الحقائق كما هي في الواقع . إن البيئة تعرف أزمة خطيرة بفعل التوسع الرأسمالي : ففي المدة ما بين 1970 و2007 تراجعت :
-الانواع التي تعيش على الارض بواقع 25 بالمائة
-الانواع التي تعيش في البحر بنحو 28 بالامائة
-الانواع التي تعيش في المياه العذبة بنحو 29بالمائة
المصدر : تقرير للصندوق العالمي لحماية الطبيعة
إن الازمة البيئية الناتجة عن التطور الاقتصادي تشكل خطرا على الشعوب .ونعرف الماسي في الامازون :حرائق وحشية وإتلاف الغابات بطريقة وحشية أيضا واستنزاف للمعادن بطريقة وحشية وتنمية وحشية كانت نتيجتها القضاء نهائيا على قبائل الهنود ,والقضاء على انواع النباتات والحيوانات وأخيرا نتائج خطيرة على مستوى التوازن البيئي وهكذا فان الالاف من الانواع النباتية والحيوانية يتم اتلافها او القضاء عليها سنويا ,ويتم تحويل ستة ملايين من الهكتارات من غابة الامازون لحساب كبار مربي الابقار وعلى مستوى الكرة الارضية يتم إتلاف سنويا مابين إثنتا عشر وسبعة عشر ملايين من الهكتارات من المناطق الغابوية التي تشكل الرئة الحية والتي تنتج الاوكسيجين للارض ,اي ما يقرب من واحد في المائة من مساحة الكرة الارضية او ما يعادل ثلت بلد فرنسا .وتهددنا الى جانب هذه الكوارث المحققة والتي لايمكن إصلاحها ,تلوثات بيئية عامة كضاهرة "الانحباس الحراري" .قال سيرج لاتوش يوما ما أن التنمية المستديمة هي جحيم ,إن ما يتم الحفاض عليه ليس البيئة بل التنمية ( المفاهيم ) وهنا يكمن الفخ الحقيقي . صرح جورج بوش متحدتا عن بروتوكول كيوتو : "مستوى معيشتنا غير قابل للتفاوض" و ماذا تعني في الاخير التنمية المستديمة ,غير ضمان إستمرار وانتشار النموذج الغربي للتنمية بطريقة شمولية وما الى نهاية ؟
التنميةالبديلة:

يتبين مما سبق أنه ضرب من الحلم إنتضار التنمية المنشودة من مؤسسات همها الوحيد هو توطيد التبعية و الحفاظ على مصالحها الاقتصادية . إن تجاوز وضعية التخلف والتاخر وكذا كل الازمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة عن هذا التخلف لن يتأتى إلا بالقطع الشامل مع سياسة الرأسمال النيوليبرالية المتميزة بتوطيد التبعية والمزيد من تغريب العالم باسم التنمية او التنمية المستديمة ,إن الاستعمار القديم سمي حماية ,أما الجديد فيسمى" تنمية" . تنمية تضمن للغرب الهيمنة على ترواث البلدان النامية وتدجين شعوبها بتقافة
إستهلاكية سطحية ,إن عصرا شعاره أكذوبة "الرفاهية"لمن شانه ان يكون عصرا للتناقضات الصارخة بين البلدان .
وتظل كل تنمية مستحيلة إذا ضلت حبيسة التصور الاقتصادوي الذي يختزل الوجود الاجتماعي في حساب هوامش المردودية وفي متطلبات تراكم الرأسمال,إن الكرامة الشخصية مجرد قيمة تبادلية قضت على الحريات المكتسبة وأحلت محلها حرية التجارة وحدها هذه الحرية التي لاتشفق ولا ترحم . إن التنمية البديلة هي تنمية مرتكزة على الذات اكثر مما ترتكز على الاخر ,تنمية تفك الارتباط مع الرأسمال الامبريالي بكل مؤسساته المالية والتجارية,و تتوقف عن سداد الديون التي لم يستفد منها الشعوب شيئا ,و تضمن العدالة الاجتماعية ,وحماية البيئة وحقوق الاجيال المستقبلية و الحريات والحقوق الديمقراطية والتوازن الجيوستراتيجي بين الشمال والجنوب بالاضافة الى إحترام التعدد التقافي .

إن هذه المطالب هي صعبة ولكن ليست مستحيلة ,إذ اتبتت التجارب التاريخية لدول نامية أن النظال التحرري لكل ضحايا هذه السياسات هي الكفيلة بتحقيقها بالعمل على عولمة المقاومة ورفض هذا النموذج الاقتصادي القائم الذي بدأ يتاكل بفعل تناقضاته.

بولعلام محمد