الاثنين، 3 نوفمبر 2008

أزمة الرأسمالية وجريمة الشركات


يفر المستثمرون اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية، ويتواصل انخفاض الدولار، و يحضر التهديد بالتضخم الاقتصادي بشكل عسير أكثر من أي وقت مضى.هذه أزمة بنيوية في هيكلة الاقتصاد، بالإضافة إلى أزمة شرعية الرأسمالية النيوليبرالية التي تعدنا بغد متقلب مثل تقلب أسواق اليوم.
إن الضرر الذي أصاب سمعة الشركات التي شكلت في وقت مضى زبدة "وول ستريت" متواصل، ونهايته لم تلح في الأفق حتى الآن، الشيء المؤكد أن هذا الضعف قد أصابها قبل فضيحة "انرون".أما شرعية الرأسمالية العالمية كنمط مهيمن على الإنتاج، والتوزيع، والصرف ستستمر في الانحدار والتراجع حتى في قلب النضام البورصي. خلال الفترة الذهبية من ما يسمى ب" الاقتصاد الجديد" في عام 2000 أجريت دراسة استقصائية من طرف مجلة "بزنيس ويك" أظهرت أن 72بالمئة من الأمريكيين يرون ثأتير الشركات الكبيرة على حياتهم أكثر مما ينبغي، وهذا الرقم أعلى بكثير اليوم. كما أن الإفراط المتزايد في الاوراق المالية، أدى إلى انهيار شركات الانترنت في "وول ستريت" في الفترة الممتدة بين 2000 و 2001.أما احتيال الشركات فقد أصبح عنصرا من عناصر " الاقتصاد الجديد ". لتبسيط الفكرة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تطورين رئيسيين في سير واشتغال الرأسمالية العالمية على مر سنوات الثمانينات والتسعينات: إذ أصبحت العواصم المالية محرك الاقتصاد العالمي، وبروز أزمة فرط أو إفراط في الإنتاج في الاقتصاد الحقيقي. شهدت السنوات العشرين الماضية، تحرير الأسواق المالية والقضاء التدريجي على الحواجز التي تعيق حرية تنقل رأس المال بين البلدان وبين القطاعات (على سبيل المثال: القانون الذي يمنع المؤسسات المالية من الاستثمار في أنشطة تجارية أو مصرفية ) وكانت النتيجة انطلاقة مذهلة لنشاط المضاربة الذي جعل من التمويل القطاع الأكثر ربحا للاقتصاد العالمي حتى أنه مربح أكثر من الأنشطة التقليدية (قروض، أسهم، سندات) لقد أضيفت وسائل مالية جد مصطنعة, كعمليات: العقود الآجلة والمقايضات، في هذه العمليات ليست الأصول هي التي تنتج الأرباح، بل المضاربة حول التنبؤات بالأخطار.(المرتبطة بالأصول)
استقطاب القطاع المالي مقارنة مع قطاعات أخرى من الاقتصاد، مثل التجارة، أو الصناعة حدث بارز إذ تجاوز حجم التعاملات والتبادلات اليومية في الأسواق في النصف الثاني من التسعينات 1200 مليار دولار، هذا المبلغ يعادل قيمة التجارة في السلع والخدمات لمدة ربع سنة. مع اجتياح السيولة المالية لقطاع المضاربة – التي جاء معضمها من خارج الولايات المتحدة الأمريكية-زادت الشركات الضخمة من تبعيتها لتأمين رؤوس أموالها بالاستعمال الضخم للديون وبيع الأسهم المالية بدلا من تقسيم الأرباح.هذه التبعية ثم اعتمادها بصورة ملحوضة في النصف الثاني من التسعينات، عندما بدأت موجة الازدهار بالتعثر في سنوات حكم "كلينتون" .
هذه الموجة تسببت في انفجار عمليات الاستثمار، وأيضا في إفراط عام خارق للعادة في الأنشطة.والمؤشرات على ذلك واضحة لا لبس فيها، إذ سجلت صناعة برامج الكومبيوتر الأمريكية نموا سنويا بنسبة 40 بالمئة ، فالإنتاج أعلى بكثير من توقعات ارتفاع الطلب، أما صناعة السيارات العالمية فلم تتجاوز مبيعاتها 74بالمئة من أصل 70،1 مليون سيارة مصنوعة كل عام .بالنسبة للاستثمار في البنية الأساسية للاتصالات، فقد كانت الدرجة العالية التي تحملها الخلايا الكهروضوئية لا تتجاوز 2،5 بالمئة من طاقتها الإنتاجية . تجار التقسيط لا يقتصدون، فالموزعون الكبار العمالقة أمثال:"ك.مارت و وول مارت"، الذين ثأتروا من جراء الإفراط في كمية مبيعاتهم، وكانت هناك على حد تعبير الخبير الاقتصادي، "كاري شيلينك" " فائض في كل شيء تقريبا".
ويبدو أن الفوائد التي تعود على عالم الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية، نمت بشكل مضطرد منذ عام 1997، مما أسفر عن موجة مفرطة من الاندماجات بين الشركات، البعض منها بمحفز القضاء على المنافسة، والبعض الأخر بغرض تجديد الأرباح، وفقا للعلاقات الخفية المعروفة بين الشركات باسم "التعاون".وتتلخص الاندماجات المهمة :بين "دايملر بنز و كرايسلر ميتسوبيشي" ، استرجاع "نيسان" من طرف "رونو" ، اندماج "موبيل" و"إكسون" ، الاتفاقية الموقعة بين " بي بي-أموكو-أركو" ، البرنامج الواسع "ستان أليونس" بين شركات الطيران ، اتفاقية "أميركا أون لاين" و "تايم وورنر" ، استرجاع" م س إ" من طرف "وورد كوم". في الواقع، العديد عمليات الاندماجات تجرى فقط للقطع مع النفقات الزائدة، ولكن ليس مع الربح، كما حدث على سبيل المثال في الاتفاقية الإعلامية بين "أميركا أون لاين" و" تايم وورنر" ، حيت لم تكن الاندماجات ممكنة ،منافسة متوحشة تقود الشركات إلى الإفلاس ، بما فيها الشركات العملاقة مثل "ك.مارت".
استمرارية الشركات في ظل هوامش ربح ضعيفة أو غير موجودة، يتطلب الاعتماد المتزايد على التمويل عن طريق مدا خيل البورصة، التي تتأثر هي الأخرى بالتزايد المالي للأنشطة التجارية و الاستثمارية الهجينة، مثل "ج ب موركان شيس" و" سالمون سميت بارني" و"ميريل لينش " الذين يمارسون مجهودا كبيرا جدا للإقناع بإبرام الاتفاقيات، وذلك لإخفاء الإغراء الضعيف بالنسبة لأرباحهم المالية وعدم أداءهم للإلتزاماتهم المالية، وبعض الشركات تسلك طريق العمليات المحدد أجلها وذلك ضد العملة المتعثرة، التي يتم الرهان بها، أما بعض الموجهين واسعي الخيال فيستثمرون في قطاع التكنولوجا العالية، هذه التقنية على ما يبدو مجددة ، وترتكز على المبادلات الوهمية ، وهدا ما أدى إلى ارتفاع الأسهم المالية في هذا القطاع إلى مستويات عالية (ستراتوسفيرية) ، حيت فقدوا كل علاقة مع الوضع الحقيقي والواقعي لشركاتهم ، على سبيل المثال: عرف نشاط" أمازون كوم" زيادة ثابتة في مسارها ، في الوقت نفسه الذي سجلت فيه الشركة أرباحا ، ولكن غيرها أمثال "ستار أبس" ، ليست لهم أية علاقة مع نشاط الإنتاج ، ويعمل بصفة رئيسية لتضخيم مصطنع لأسعار الأسهم بالنسبة للمشاركين بالرأسمال الاستثماري والقادة الدين يفضلون خيار تسليم مخزونهم كفرصة لملئ جيوبهم عن طريق البيع السريع ، بعد ذلك يتخلون عن الشركة ويختفون في نهاية الأمر .
في النهاية، تنبني التجارة على أساس الوهم، إذ لا يمكن التحكم فيها وهذا الواقع تجسد ضهوره في 2000، في تنضيف صدمة 4600 مليار دولار المستثمرة في البورصات ، وكما لاحضت مجلة "بيزنيس ويك" هذا المبلغ يمثل نصف الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية ، وأربع مرات الابتلاع البورصي الذي ميز عام 1987 ، موجة من الازدهارات الطويلة المصطنعة لمدة ثلاث أو أربع سنوات ، مع حماقة تنظيف الاقتصاد ، لكن بالمقابل الولايات المتحدة الأمريكية دخلت في ركود عام 2001 وهذه هي الحماقة على وجه التحديد ، لان الواقع مزيف لمدة طويلة ، بوهم الازدهار الذي لن يكون لمدة طويلة إلا لتصحيح الاختلالات البنيوية الضخمة التي تم التسبب فيها إذا كان ذلك لا زال ممكنا.
في نهاية المطاف، ليست هناك سوى طريقة واحدة لجدب المستثمرين، إصدار تقارير إيجابية، هذه هي الحقيقة البسيطة والقاسية، التي أدت إلى تكاثر وانتشار تقنيات تزييف الحسابات، فالشركاء في إدارة مالية "إنرون أندرو فاستو" التي تبتكر وسائل تمكنها من تجنب أداء التكاليف والديون من ميزانيتها. و"وولد كوم" التي قد تستخدم أساليب أكثر دهاءا عن طريق نقل نفقات التشغيل إلى تكاليف الاستثمار. في هذا السياق، من إلغاء القيود التنضيمية، ونظرا لمعطى المفهوم النيولبيرالي لعدم التدخل المهيمن للدولة، لارساء قطاع خاص، مثل هذه الضغوط لا تجد صعوبة في التغلب على الفصل بين: الادارة ومجلس الإدارة، بين المحلل والوسيط، بين المراقب والمراجع. هناك احتمال أن يواجه الاقتصاد دوامة من الانحدار والجزر إلى أن يضعف شيئا فشيئا، ومجالس الرقابة على الشركات والمديرين التنفيذيين الذين فرضت عليهم المراقبة يجب عليهم التوقف على تحركهم وكأنهم في نظام موازين القوى، إنهم يجمعون الآن قواهم، للحفاض على وهم الازدهار- وكذلك على العلاقة مع المستثمرين الذين لا يشكون في أي شيء- أطول مدة ممكنة. هذه الجبهة الموحدة لم تدم لمدة طويلة، ولكن، بالنسبة لؤلئك الذين يعرفون الوضعية، الإغراء كان كبيرا للبيع قبل أن يعرف كبار المستثمرين مايحدت.فهم الأعمال التجارية ينتهي في الوقت المناسب، أخد المال وتجنب المتابعة القضائية.رؤية الأزمة في الأفق، "جيفري سكيلين"، الرئيس التنفيذي لشركة"أنرون"، استقال ونجح أن يفر مع 112 مليون دولار، حصيلة بيع مخزونها قبل أشهر قليلة من تراجع الدولار."دينيس كوزلوسكي" الرئيس التنفيذي لشركة " تايكو" ليس لديه نفس الحظ، إذ أنه ليس مسرورا لتسلمه 240 مليون دولار، لاعتقاده بأن هناك المزيد من المال لأخذه، لقد تم إيقافه بعد إفلاس شركته ويتابع الآن بتهمة التهرب من الضرائب. ومما لا شك فيه أن زعماء آخرين، سيتم تحديدهم، ومن يعرف، قد تشمل لائحة الأسماء الخسيسة "جورج دابليو بوش" و"ديك تشيني"، ولكن إذا كان المحتالون في كل مكان فمن الجيد التذكير أن أصل المشكل، هو كيفية اشتغال نمط الإنتاج الرأسمالي الفوضوي والغير المنضم، الذي تتحكم فيه التجارة، وأنها ليست شيئا يمكننا من خلاله التخلص من الصيغ التاريخية مثل:" ليست هناك رأسمالية بدون ضمير" أو الحلول التي يمكن التعامل معها بشكل مثير "الإدارة الجيدة للشركات". اليوم المستثمرون يفرون من الولايات المتحدة الأمريكية، والدولار يتواصل بالانخفاض، والتهديد بالإفراط الاقتصادي يحضر بشكل عسير أكثر من أي وقت مضى.هذه أزمة بنيوية في هيكلة الاقتصاد، بالإضافة إلى أزمة شرعية الرأسمالية النيوليبرالية التي تعدنا بغد متقلب مثل تقلب أسواق اليوم.
المؤلف: وولدن بيلو
تعريب: بولعلام محمد
أطاك كلميم والنواحي
اللجنة المحلية لافران أ/ص