الأحد، 5 أكتوبر 2008

النوع الاجتماعي بين الثقافة الشعبية والخطاب المدرسي:


"هل التمييز ضد النساء معطى بيولوجي أم بناء تاريخي "بيير بورديو

بخلاف الاعتقاد السائد حول كون التمييز بين الذكور والانات نتيجة طبيعية لحتمية بيولوجية بسبب الفروق العضوية بينهما,فان هذا التمييز يرتبط أساسا بطبيعة هذا المجتمع المبني على اغتناء القلة والتفقير الشامل للأغلبية الساحقة من عمال وشباب ونساء . فالتمييز الجنسي صورة للتمييز والتراتبية الشاملة التي تسود مجتمعنا. وهذا التمييز هو الذي نسميه بالاضطهاد الجنسي الذي يعبر عنه واقع النساء كفئة دونية محتقرة وجنس منبوذ يقوم بدور الامومة وكل أعباء العمل المنزلي دون تعويض. أما العاملات منهن فيعانين التمييز في الأجر وهن الاكتر عرضة للطر د والتسريح والبطالة. إن فهم ومقاومة مظاهر اضطهاد النساء وأصوله شرط أساسي لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين في كافة الميادين.سأقف في هذا البحت عند أبرز التمثلات الاجتماعية حول المرأة من خلال الأمثال الشعبية من جهة ثم من خلال الخطاب المدرسي أي كل التصورات والمواقف التي يتم تلقينها للأطفال في المدرسة من خلال الكتب المدرسية.

1-تحديد المفاهيم والمصطلحات
النوع و الجنس:
إن النوع : مذكر / مؤنث هو " مجموعة من العلامات ومن الخطابات الاجتماعية الثقافية التي تتضمنها المعتقدات و العوائد والأدوار الاجتماعية المتجدرة في اللاوعي الجماعي لمجتمع ما-1-و الفرق بين الجنس و النوع ، أن الجنس بيولوجي ومرتبط بمعطيات الولادة و هو غير قابلا للتغيير. مثال : النساء وحدهن يلدن والرجال وحدهم يخصبون . أما النوع، فهو ثقافي يلقن بالتنشئة، كما يمكن تغييره، ومثال ذلك أن الرجال و النساء يمكنهم أن يعملوا كأستاذ /أستاذة و مهندس/مهندسة...
الخطاب و الواقع التربويين:
نقصد بالخطاب التربوي في بحثنا هذا: التصورات والمواقف إزاء النوع الاجتماعي، والإنصاف بين الجنسين في الفضاء المدرسي، والتي تنص عليها النصوص التربوية الرسمية وبعض الإصلاحات التربوية في المنظومة التربوية المغربية ، وخصوصا الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وبعض المذكرات التربوية .أما الواقع التربوي فنريد من خلاله الإشارة إلى واقع تمدرس كل من الذكور والإناث في المنظومة التربوية وإشكالية الإنصاف بين الجنسين . ونقصد بالواقع التربوي كذلك: كيفية أجرأة الخطاب التربوي حول الإنصاف بين الجنسين في الكتاب المدرسي: من خلال إبداع الذكور والإناث وكذا توزيع الأدوار الاجتماعية، ثم التمثيل الأيقوني لكل من الذكور و الإناث.
التنميطات:
" نوع من الأحكام التي تقوم على تصنيف اجتماعي لجماعة أو فئة معينة، ويغلب عليها التبسيط و التعميم بصورة مبالغ فيها. وتعكس صراحة أو ضمنا افتراضات تتصل بالطباع و الخصائص و أنواع السلوك " -2- ونقصد بالتنميطات في هذا البحث : الأحكام و القيم التي تعطى لكل من الذكور و الإناث من خلال الكتاب المدرسي والتي غالبا ما تجد جذورها في الثقافة الشعبية .
2-مقدمة حول مفهوم النوع الاجتماعي ( الجندر )
يعتبر مفهوم النوع الاجتماعي، من المفاهيم الجديدة، حيث برز بصورة واضحة في بداية السبعينيات من القرن الماضي. ويصعب التحديد المعجمي لهذا المفهوم، فهو محدث في اللغة الانجليزية والفرنسية . ويصبح الأمر أكثر تعقيدا وصعوبة في اللغة العربية، خصوصا و أنه لا توجد ترجمة واحدة معتمدة لهذا المفهوم. إلا أن ما يمكن قوله في هذا الصدد ، هو أن مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) "كلمة انجليزية تنحدر من أصل لاتيني ، وتعني في الإطار اللغوي القاموسي ( الجنس ) من حيث الذكورة والأنوثة . وهي كمصطلح لغوي تستخدم لتصنيف الأسماء والضمائر والصفات، أو يستخدم كفعل مبني على خصائص متعلقة بالجنس في بعض اللغات ، وفي قوالب لغوية بحثة "(3) وظهر مفهوم (الجندر) في المجتمعات العربية و، مع وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1944 فقد ذكر في 51 موضعا من هذه الوثيقة، إلا أنه ترجم إلى العربية ب( ذكر / أنثى) ولذلك لم ينتبه إليه احد. وظهر بشكل جلي في وثيقة بيكين سنة 1995 حيث ذكر 233 مرة، أما وثائق روما بشأن إنشاء المحكمة الدولية 1998، فإنها تكشف عن محاولة لتجريم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي ، حيث أوردت " أن كل تفرقة على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية " . وأول من حدد مفهوم النوع من وجهة نظر نسوانية، هي" إن أوكلي" سنة 1972، وتميز بين الجنس و النوع، فكلمة الجنس تحيل على الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث، أي الفروق الظاهرة بين الأعضاء التناسلية والى ما يرتبط بها من الوظائف. أما النوع، فهو مسألة ثقافية وتحيل على التصنيف الاجتماعي ( مذكر/ مؤنث). ويدل لفظ " النوع " عند باحثات أمريكيات في الدراسات النسوانية على الجزء الثقافي من الفروق الفردية بين الجنسين . وأكبر رائدة في هدا المجال هي" سيمون ديبوفوار" فتحليلها البنائي مكثف في العبارة الشهيرة، " لا نولد نساء لا نصبح كذلك " .وفي هذا المضمار، تؤكد المقاربة البنائية أن مفهوم المرأة يجب أن يدرك كمسار تاريخي يتغير و يتحول عبر الزمن .
وعليه، فان المرأة بخصائصها وطبيعتها المختلفة هي نتيجة لاشتراط(4) راجع لتاريخها ولظروفها الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية. ولا يستند الى " أي أساس بيولوجي أو ذهني... فمنذ البداية حرمت المرأة في المجتمع المتخلف، كل فرص الارتقاء النفسي و الذهني و كل فرص التقدم المهني، من خلال سجنها في البيت، وفرض مهمات الخادم عليها ( كنس، مسح، غسل وغيره). بينما احتفظ الرجل بالأعمال ذات القيمة، مترفعا عن أعمال المنزل التي تستنزف كيان المرأة بحجة أنه كاسب للقوت " (5). ويسعى علم( الجندر) إلى دراسة العلاقة المتداخلة بين الرجل و المرأة، كما يهتم ب " تأطير دور المرأة و الرجل في عملية الحراك الاجتماعي. ولا يعنى هذا العلم بالمرأة فحسب، بل هو علم المرأة والرجل ... ولم يأتي لتحجيم دور الرجل كما يفهمه البعض، بل جاء ليقدم عونا للأسرة، وبالتالي للمجتمع"(6). إن النوع الاجتماعي ( الجندر) يهدف إلى طرح موضوع العلاقة بين الجنسين على مستوى المكانات و الأدوار الاجتماعية بموضوعية علمية تهدف إلى تجاوز التمييز خاصة، وقد دلت الدراسات و البحوث على أن إقصاء المرأة عن الإسهام بدور اجتماعي مماثل للرجل في تنمية المجتمع و تقدمه له تأثير سلبي على المرأة كنصف المجتمع الإنساني .
3-النوع الاجتماعي في الثقافة الشعبية المغربية
إن الثقافة الشعبية – كفلسفة للمجتمع – ترصد أنماط وسلوك الأفراد وتؤثر في طرق تفكيرهم و تصرفاتهم. فالتقسيم الجنساني للأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة يعود أصلا إلى التصورات التي ينتجها المجتمع بتأثير عاداته و ثقافته. وتبرز مساهمة الموروث الثقافي في قضية النوع الاجتماعي " الجندر" حيث أن القيم المجتمعية مازالت ترفض بإصرار مساواة الرجل مع المرأة بحجة الأدوار الامومية و الزوجية .... ففي الأمثال الشعبية المغربية تحتل المرأة النصيب الفعال و الوجود الفعال، إلا إنها تتضمن إساءة مباشرة لها، والمثال على دلك ما نجده في المثل الثالي:
« اللحية تسبق الظفيرة " *
ومن الاختزالات السلبية لصورة المرأة في الثقافة الشعبية، هو ربط المرأة بالشيطان و الشر، مثال: " سولو الشيطان شكون قراك قاليهم المرا "
كما نجد المراة يثم ربطها بالأفعى، باعتبارها رمزا للشر في مجموعة من الأمثال:
" المرأة لفعة و متحزمة بإبليس "
" حس الحية ولا حس البنية "
إضافة إلى هدا، فهناك التصاق صورة المكر بالمرأة في الثقافة الشعبية " فهي الأسطورة التي يسقط عليها الرجل كل تناقضاته، ويحملها مسؤولية كل صراعاته ا
[1]لعلائقية. إنها المرأة التي لا يؤمن لها، والتي يجب الاحتراس لكيدها ودسها. كل خلافات الرجل الاسروية تلصق بالمرأة المحتالة الماكرة، التي بدور الشقاق بين الأشقاء " (7)
ومن زاوية أخرى فالثقافة الشعبية المغربية تصور المرأة على أنها غير ناضجة فكريا و ضعيفة فكريا و الحث على عدم مشاورتها مثال:
" شاورها وخالف ريها "
" طاعة المرا ة ندامة "
" الراجل ولد الراجل اللي عمرو مشاور المراة "
" ويل اللي عطا سرو لمراتوا طال عدابو و شقاتو "
إلى جانب هده الصور، فهناك صور وجوب استعمال العنف مع المرأة والمثال على دلك:
"المرا بحال الزربية مرة مرة خاصها تنفض "
أما في طقوس الولادة، فنجد تمييزا بين الذكر و الأنثى. فعندما يولد الذكر تردد عبارة " لبي يا مول العزة يكبر ويدير الرزة " مع زغرودتين.
وعندما تولد الأنثى، فيقال " ربي يا مول العزة تكبر وتحلب المعزة " مع زغرودة واحدة فقط.
أما في التقافة الشعبية الامازيغية فهناك العديد من الامتال الشائعة التي تكرس دونية المرأة مثل :
"أبنكال البور يوف أنابور" (8)
والخطير في الأمر، هو أن نظرة الثقافة الشعبية تنعكس على مجالات أخرى ( التعليم، الإعلام، الفن، الأدب.......) ففي المجال الإبداعي ، نرى مشهد تمثيلية تؤيد القيم و العادات و التقاليد ، حيث تروج صورة المرأة وفق قوالب نمطية ، مما يعيق تأكيد الدور الفعال للمرأة في المجتمع. أما الأغاني المصورة فغالبا ما تصور الحب بين المرأة و الرجل بطريقة مبتذلة، حيث تجسد قيما تعتمد على الإثارة و الإغراء، وتخصيص المرأة بأدوار الخيانة و الغدر. وتتحول الأغنية من إطار تربية الوجدان و الدوق الى إطار الابتذال، ودلك قصد الوصول الى النجومية و الشهرة وجني المال.
وفي المجال الأدبي ،نجد أ شعار سدي عبد الرحمان المجدوب وهو شاعر مغربي من القرن السادس عشر الميلادي " أفضل مثال على الخوف من النساء " (9) فلا زالت أشعاره تنعكس على مستوى الثقافة الشعبية . وتعكس ابياته التالية هذا المنظور:
" المرأة سفينة عود و اللي راكب فيها مفقود
لا تامنهم لا يغروك و ف حديثهم ما يدوموا
الحوت ف البحر عوام و هم بلا ماء يعوموا"
" بهوث النساء بهتين ومن بهتهم حن هارب
يتحزمو باللفاع ويتخللوا بالعقارب " (10)
4-النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية بالمغرب.
لقد كان التعليم بالمغرب تاريخيا، مرآة لمستويات و أنماط التفكير السائد داخل المجتمع . فقد كانت الصورة السائدة داخل المجتمع التقليدي تجاه المرأة بالرجل من حيث الأدوار والمسؤوليات، مجحفة في حق المرأة حيث ظلت هده الصورة وثيقة الارتباط بالفكر الأبوي. و رغم دلك فلم تكن فرص تعليم المرأة في المجتمع التقليدي منعدمة " إلا أن طبيعة الهياكل الاجتماعية و الثقافية الأبوية لم تكن لتشرع الباب مفتوحا أمام أي شكل من الأشكال التي تعبر عن حرية المرأة أو تترجمها إلى سلوك وواقع فعلي ومنها التعليم الذي ظل امتيازا مقصورا على فئات معينة من النساء." (11) إلا أن تعليم المرأة كان مقتصرا في غالب الأحيان على المعارف الدينية. وقد استفاض المختار السوسي في "المعسول" في هدا الأمر في معرض حديثه عن نمادح النساء اللواتي تحملن مسؤوليات التدريس في الكتاتيب القرآنية، حيث " تولت فئة من المعلمات في منطقة سوس في القرن 18 مهمة التعليم و الإرشاد ..... ومنهن مثلا عائشة بنت أحمد الجشتمي "(12). إن للكتاتيب القرآنية ادن، دور كبير في نشر التعليم بين الفتيان و الفتيات على حد سواء، " فلهده البنية التقليدية في التعليم المغربي تاريخ طويل، اد تعود إلى السنوات الأولى لدخول الإسلام للمغرب، لما عرفت البلاد المغربية انتشارا لقران و العربية بطرق التلقين المباشر و الاندماج الحضاري." (13) وليس الأمر على هذا الحال في المغرب فقط، بل حتى في المشرق حيث " كانت أوضاع تعليم الفتاة تعاني من التردي و الاضطراب، فالعادة أن يتعلم الفتى و الشاذ أن ترتاد الفتاة ميادين العلم و الثقافة " (14). من خلال ما سبق تتضح الصورة العامة لوضع المرأة مقارنة مع الرجل في التعليم داخل المجتمع التقليدي المغربي، هكذا يمكن أن نقول مع فاطمة الزهراء أزرويل أن " هده الطريقة كانت ملائمة للمجتمع التقليدي الذي يفرض الفصل بين الجنسين و عدم ظهور المرأة في المجال العام " (15) ولقد أثارت وضعية المرأة اهتمام الكتاب العرب مند القرن 19 ونذكر منهم على سبيل المثال:
- رفاعة الطهطاوي في كتاب " تخليص الإبريز إلى تخليص باريز "
- قاسم أمين في أواخر القرن 19 .
- الطاهر الحداد في تونس، صاحب كتاب " امرأتنا في الشريعة و المجتمع "
كما برزت الحركات النسوية مند بداية القرن الماضي في سوريا و لبنان ومصر. وفي 1929 كتب العالم المغربي محمد بن الحين الحجوي محاضرات حول تعليم البنات في المغرب " مما يدل على اهتمام المغاربة بمشكلة تعليم الفتيات مند مطلع القرن 20 " (16). أما البداية الفعلية لارتياد الطفلات المغربيات للمؤسسات التعليمية الحديثة ، فتعود إلى الربع الأخير من القرن 19 مع المدارس التي أنشأها اليهود ( تطوان و طنجة 1865 – الصويرة 1869 –فاس 1899 –الجديدة 1906 – أسفي 1907 – مدرسة مختلطة بكل من أزمور و صفرو 1911 )وبعد حصول المغرب على الاستقلال الشكلي بسبع سنوات ، أحدث ظهير 13 نونبر 1963 والذي ينص على إجبارية التعليم بالنسبة للأطفال الذين تتأرجح أعمارهم بين 7 و 13 سنة.كما ثم إحداث مجموعة من الإصلاحات في المنظومة التعليمية أهمها:
ìخطة 1957 – 1959
ì المخطط الخماسي 1960 – 1964
ìإصلاح 1980
ì المخطط الخماسي 1992 - 1998
إلا أن نسبة تمدرس الذكور ظلت مرتفعة بالمقارنة مع الإناث، وخصوصا في العالم القروي . ويبين الجدول التالي نسبة التمدرس في المغري حسب الجنس و الوسط بين 1971 و1982.-17-
1982
1971

41.7%
26.7 %
الوسطان معا
50.8%
35.2%
الذكور
32.5%
17.17%
الإناث
64%
50.7%
الحضري معا
69.5%
59.9%
الذكور
58.9%
41.9%
الإناث
25.8%
13.3%
القروي معا
37.8%
22.4%
الذكور
13.2%
3.1%
الإناث

ولقد مر معدل تمدرس الطفلات في سن السابعة من 40% حلال 1981 و1982 إلى 51 % حلال موسم 1990 – 1991 .
ويبين الجدول التالي نسب التمدرس في الطور الأول من التعليم الأساسي حسب الجنسين و الوسط . ( 18)
المجموع
الوسط القروي
الوسط الحضري

62.6%
44.1%
86.5%
المجموع بالنسبة للجنسين
71.5%
58.1%
88.8%
ذكور
53.8%
30.4%
84.7%
إناث

ورغم التطور النسبي لنسبة تمدرس الإناث مقارنة مع الذكور، إلا أن صورة الإناث من خلال البرامج و الكتب المدرسية ظلت تعكي الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع، وتحمل تنميطات و تمثلات غير منصفة . ونفس الشيء بالنسبة لحضور الإبداع النسائي، حيث نلاحظ سيطرة المبدعين الذكور على مجمل النصوص المقررة، مقارنة مع الحضور الإبداعي للإناث و الذي يكاد يكون مطلقا.
5-تقويم النوع الاجتماعي في الكتاب المدرسي
أ- خطاب الإنصاف بين الجنسين في الكتاب المدرسي :
يعتبر الكتاب المدرسي وسيلة محورية من ضمن وسائل تنفيذ المنهاج ، فهو المترجم الفعلي للمنهاج و البرنامج الدراسي . وأي إصلاح للمنظومة التربوية من الضروري أن ينعكس على مستوى الكتاب المدرسي. فإذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد نص على المساواة بين الجنسين ، فكيف يثم تصريف هدا الخطاب في الكتاب المدرسي ؟.
من خلال استنطاقنا لمجمل النصوص القرائية لكتاب اللغة العربية للمستويات الستة للتعليم الابتدائي ، لم نجد إلا ثلاث نصوص هي التي تطرح مشكلة الإنصاف بين الجنسين .
النسبة المئوية
عدد نصوص الإناث
النسبة المئوية
عدد نصوص الذكور
العدد الإجمالي للنصوص
المستوى
و المرجع

%0

0

%100

7

7
المستوى الأول
المفيد في اللغة العربية

%0

0

%100

5

5
المستوى الثاني
" في رحاب اللغة العربية"
%16.13


5


%83.87


26


31


المستوى الثالث
"مرشدي في اللغة العربية"
%4
5
%96
24
25
المستوى الرابع
الواضح في اللغة العربية
%8
2
%92
23
25
المستوى الخامس .مرشدي في اللغة العربية
%12.2
5
%87.8
36
41
المستوى السادس : كتابي غي اللغة العربية
%9.8
13
%90.2
121
134
المجموع

ففي كتاب التلميذ " الواضح في اللغة العربية " للسنة الرابعة الابتدائية، نجد إدراج بعض مواد وثيقة اتفاقية حقوق الطفل * ففي المادة ( 29 ) ثم اقتباس ما يلي:
" يحب أن تهدف التربية إلى تشجيع شخصية الطفل وتعليمه احترام والديه و احترام حقوق الإنسان ن وقيم بلاده الثقافية و قيم الغير، في جو من السلام و التسامح بين الجنسين و احترام البيئة الطبيعية." (19)

وفي نفس الكتاب، نجد نصا وظيفيا تحت عنوان " المرأة وبناء المجتمع ".ففي هذا النص نجد مقارنة بين ما كانت عليه المرأة سابقا ، حيث كانت تلازم البيت و أعماله " حتى ظن الناس أن تنمية المجتمع مقصورة على الرحال دون النساء " (20) . و ما أصبحت عليه اليوم و دورها الفعال في بناء المغرب الحديث " فقد صارت تتقلد مناصب لم تكن إلى حد قريب لتقوم بها ، فهاهي في الإدارات و المعامل و المصانع و في المحاماة و القضاء و الطب و الشرطة و غيرها..." (21) أما كتاب التلميذ للسنة السادسة الابتدائية " كتابي في اللغة العربية " فلم يتطرق لموضوع الإنصاف بين الجنسين إلا في نص واحد هو " مدونة الأسرة : الثورة الهادئة " ، ويتحدث هدا النص عن ميلاد مدونة الأسرة ودورها في ترسيخ قسم المساواة ، والعدل بين مكونات الأسرة . فالمساواة كما تقرها المدونة " تتأسس على التكافؤ بين المرأة و الرجل في الحقوق و الواجبات و المساواة أمام القانون ، فهما شريكان في رعاية الأسرة و تدبير شؤونها "
من خلال ماتقدم ، نلاحظ قلة النصوص الإبداعية التي تعبر عن خطاب الإنصاف بين الجنسين . وقد يعود دلك إلى مستوى التلاميذ ومرحلتهم العمرية . لكن على العموم ينبغي أجرأة هدا الخطاب من خلال مجـــــــــموعة من الأنشطة ( التعبير و الإنشاء مثلا...) و إعطاء أمثلة ملموسة وقريبة من محيط المتعلم-ة-
ب- النصوص القرائية بين إبداع الذكور و الإناث.
قبل أن نشرع في تحليل النصوص، وكدا الأدوار و المهام بين الذكور والإناث ، ثم تحليل الصور في الكتاب المدرسي لتقويم النوع الاجتماعي ، سنبدأ بجرد إحصائي للمؤلفين و المؤلفات للنصوص القرائية في كتاب اللغة العربية للمستويات الستة للتعليم الابتدائي .
المهن ،الأدوار ،المهام
المستوى
والمرجع
الإناث
الذكور
المستوى الأول
المفيد
في اللغة
العربية
تلميذة- ربة بيت – صيدلانية- عداءة – خياطة
ممرضة – مديرة .
أدوار أخرى:
التعلم – التدريس – اللعب – تنظيف وتنظيم البيت – جلب البقرة – الطهي – غزل الصوف
غسل ونشر الملابس
ملاكم – تلميذ –رائد الفضاء –راعي-سائق –لاعب –صياد –بهلوان –صباغ- ممرض-نجار –جندي –جزار –مهرج-طبيب-فارس- تاجر-
أدوار لأخرى:
التعليم – التدريس
اللعب –الصلاة (أمور دينية )

أستاذة – ربة بيت- ممرضة – تلميذة – خياطة- أدوار أخرى:
حلب البقرة – تنظيف البيت - الطهي –غزل الصوف ...
اللعب – الدراسة.
نجار- تاجر- فقيه – مزارع – بستاني – أستاذ – تلميذ – طبيب مهندس –
أدوار أخرى :
الدراسة – التجارة اللعب – مساعدة الأم في تنظيف البيت ( قليلة التواتر)
- رعي الغنم – الحرث.
المستوى
الثاني
في رحاب اللغة العربية
معلمة – أ ستادة – ممرضة – ربة بيت
صيدلاني – معلم – فنان – صانع خزف – نجار- صياد- فلاح – طبيب
مهندس- شرطي ساعي البريد ...
المستوى الثالث
مرشدي في اللغة العربية
ربة بيت - مضيفة في المطار- تلميذة عاملة – موظفة – محامية .
الإمام – راعي – تاجر – تلميذ – فحام – معلم – إضفائي – فلاح – حلاق – ساعي البريد – لاعب – حكم – نجار – حارس – ربان ...
المستوى الرابع
الواضح في اللغة العربية
عاملة – ممرضة – تلميذة – لاعبة
محامي- قاضي – تلميذ – عداء – رسام – عازف – قصاص- طبيب- ممثل – مدرس- مدير – مقاوم – شاعر--حلاق – نقاش – فلاح – صانع تقليدي.
المستوى الخامس
مرشدي في اللغة العربية
صانعة تقليدية ( نساجة)
أدوار أخرى:
الرقص – تدبير طقوس الزفاف
شرطي – تلميذ- رائد الفضاء – صانع تقليدي- راعي – فلاح – لاعب كرة القدم – طبيب – صائد الأسماك ...
المستوى السادس
كتابي في اللغة العربية

من خلال ما سبق يتضح التهميش التربوي للإبداع النسائي ، و الذي يصل إلى %100 في كل من المستوى الأول و الثاني و نسب هزيلة في المستويات الأخرى .ففي المستوى الرابع نجد نصا يتيما و هو " قطار النزهات " لليلى صايا سالم (ص 85) . وإذا كان العدد الإجمالي للنصوص القرائية * في كتاب اللغة العربية للمستويات الستة هو 134 نصا ، فان عدد النصوص التي أبدعها الدكورهو 121 نصا مقابل 13 نصا فقط كمجموع النصوص المبدعة من قبل الإناث .
إن الفاعلية الإبداعية النسائية مهمشة في الكتاب المدرسي ، عكس ما نجده على أرض الواقع ، فليس هناك غياب للمرأة في المجال الإبداعي المغربي .وهده المفارقة من شأنها أن تنعكس على مستوى تمثلات التلاميذ و التلميذات ، على اعتبار أن الكتاب المدرسي من بين الأدوات الأساسية التي تؤثر بشكل كبير على التلميذ-ة- ، في تصوره للحياة الدراسية خاصة و الحياة العامة عموما .
ج-توزيع الأدوار الاجتماعية بين الذكور والإناث :

من خلال مقارنتنا لتوزيع الأدوار الاجتماعية بين الذكور والإناث نستخلص ما يلي:
* أغلب المهن و المهام خاصة بالذكور:

ويكرس هدا الأمر تفوق الدور الذكوري على الدور الأنثوي، بالتالي تفوق الأول على مستوى المكانة الاجتماعية . مما يؤدي إلى إعادة إنتاج منظور الثقافة الشعبية إزاء النوع الاجتماعي.

وفي نفس السياق، نجد عناوين النصوص القرائية بمثابة أنواع المهن، وغالبا ما تخص الذكور ، فكتاب التلميذ للسنة الثالثة الابتدائية " مرشدي في اللغة العربية " يحتوي على عناوين النصوص القرائية التالية :

× الممرضة.
× الاسكافي الطموح .
× ساعي البريد.
× الشرطي في خدمتنا.
× المهندس الصغير.

وإذا كانت العناوين هي أكثر العناصر التي تلتصق بذهن المتعلم-ة-، فان إسناد أغلب هذه المهن للذكور تؤثر على تمثلات المتعلمين وتحدد رؤيتهم لذواتهم، ولتقسيم الأدوار بين الذكور و الإناث وربما لمستقبلهم المهني .
وفي هذا المضمار، ثم إيراد نص بعنوان " مهن مفيدة " في كتاب التلميذ للغة العربية للسنة الثالثة الابتدائية، حيث ثم التركيز على مهن ثلاثة هي:(فلاح- نجار- حداد) (22)
* عامل السلطة في تحديد الأدوار :
من خلال جردنا لمجمل الأدوار وتوزيعها بين الذكور والإناث ، نستنتج طغيان الدور الذكوري في الحياة الاجتماعية و الانفراد بمجموعة من الأدوار، ويستند ذلك على النزعة الذكورية المتجدرة في الثقافة الشعبية ،وتمثلان المجتمع الذكوري. وفي هذا الصدد، نجد إسناد مجموعة من الأدوار للذكــــــــور ( فارس- تاجر- شرطي – جندي- قاضي...) علاوة على الأدوار الدينية( إمام- فقيه). وتستند هذه الأدوار إلى عدة سلط ( اقتصادية- ثقافية- دينية- رمزية... ) ونشيرالى أن الأمر لم يقف عند حدود التهميش لأدوار الاناث، وانما يتجلى أيضا في نوع المقارنة بين الذكور و الاناث. وخير مثال على هذا الأمر، ما نجده في كتاب التلميذ للغة العربية للسنة الأولى ابتدائي ، ففي سفحة ألاحظ وأقرأ ، ثم إدراج مجموعة من الصور والتعليق عليها :

يدبح الجزار كبشا- ذاقت أمي الطعام- يدافع الجندي عن وطنه .
ولا نجد أدوارا تمثل فيها الاناث أدوارا سلطوية إلا نادرا، حيث نجد صورة واحدة في المثن المدروس تمثل فيها المرأة شرطية للمرور . (23)

* طغيان دور المرأة كربة بيت :
حيث يثم إسناد الأعمال المنزلية إلى المرأة في غالب الأحيان.أما مشاركة الذكور للإناث في أعمال البيت فهي شبه منعدمة . ونجد في المثن المدروس نجد صورة واجد يحمل فيها الأب ابنه الصغير .(24).
* هناك العديد من المهن تمارسها المرأة على أرض الواقع لكنها غير ممثلة في الكتاب المدرسي.
* رغم وجود تشابه من حيث بعض الأدوار( القراءة و الكتابة مثلا ) إلا أننا نجد العمل المنزلي ينضاف إلى ادوار المرأة / الفتاة.
* هناك استعمال للوظائف ذات التراتبية، حيث نجد بعض الوظائف ذات القيمة و الأهمية الاجتماعية تستند بشكل منهجي للرجال، في حين تستند للنساء وطائف أقل تراتبية: ( طبيب- ممرضة....) .
* ضعف إلى شبه غياب لتمثيل النساء اللواتي حققن إنجازات مهمة في حياتهن.
الت
مثيل الأيقوني للذكور والإناث:
بعد تحليلنا لمراجع المتن المدروس، وتأملنا لمجمل الصور المرافقة للنصوص القرائية، تبين لنا أن هناك إجحاف في تمثيل الإناث. فرغم صعوبة التحديد الدقيق لعدد صور تمثيل كل من الذكور و الإناث،وذلك لوجود صور تمثل الكثير من الأشخاص يصعب عدهم ، إلا أننا استطعنا انجاز هذه العملية في كل من كتاب التلميذ للمستوى الأول و الرابع .
ففي المستوى الأول نجد 208 صورة للذكور و 181 صورة للإناث.أما المستوى الرابع فهناك 83 صورة للذكور و 17 صورة فقط للإناث.

وتعكس صور المتن المدروس نفس الأدوار بين الذكور و الإناث كما حددناه سابقا.فتمثيل الذكور والإناث في الصور يصور تموقعها في فضاءلت معينة بالتالي نوع الأدوار المنوطة لكل منهما .
6-خلاصات:

قد يكون هاجس المؤلفين في الغالب، هو الإتيان بنص أو جمل أو صور تنسجم مع الأهداف المحددة ومجالها، وكذا احترام قواعد أو ظواهر لغوية محددة . إلا أن هذا ليس مبررا لإغفال أهمية المساواة ولو في أمور قد تبدو بسيطة ، لأنها تحدد تمثلات المتعلم-ة- ." ولقد أظهر البحث أن الأطفال يحتاجون إلى نماذج يكون لها دور ايجابي وذلك لكي يستطيعوا تنمية حبهم لذاتهم وثقتهم في أنفسهم "(25)

ومع كل ما ذكر، لا ينبغي أن نغفل أن الكتاب المدرسي يكرس لثقافة اللامساواة من خلال إعطاء النساء أدوارا نمطية ترتبط في الغالب الأعم بالعمل المنزلي ونفس الشيئ ينطبق على الكتاب القديم، فهذا الأخير كرس بشكل كبير للصورة التقليدية للمرأة، إضافة إلى البعد التمييزي بين الذكور و الإناث والسقوط في بعض مفارقات بخصوص تمثيل الأدوار الاجتماعية وتوزيعها بين الجنسين.
لتصبح المدرسة في نهاية المطاف مؤسسة إجتماعية غايتها الوحيد إضفاء الشرعية على ما هو قائم من خلال إنتاج الادوار الاجتماعية وإعادة إنتاجها ليصبح التمييز ضد النساء بهذا المعنى بناءا تاريخيا من خلال تعاقب أنماط الانتاج ومن خلال إنتاج التمثلات والتصورات حول الادوار الدونية للنساء والتي تقوم بها المؤسسات الاجتماعية ( الأسرة-المدرسة-الشارع-الإعلام).
أوبجا رشيد اللجنة المحلية لأفران أ/ص

1- دعم الكفايات التربوية: الإنصاف في الفضاء المدرسي، مديرية العمل التربوي ، ص 25 .
http/www.alsabah.com-3 - شمحي جبر، مجتمع مدني : الجندر و المفاهيم الثقافية الواردة
4 - الاشتراط يعني" غرس نظرة معينة عند الشخص عن نفسه و عن العالم و من الآخرين، تترسخ عنده حتى تصبح و كأنها طبيعية" أنظر كتاب " التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور" لمصطفى حجازي، ص 241
5-المرجع نفسه، ص 212
6- شمخي جبر، مفهوم النوع، http/www. Pcwer.org 5 أكتوبر 2005
* يشير هذا المثل الى أن اللحية رمز للرجل و الظفيرة رمز للمرأة
7- حجازي مصطفى، مرجع سابق، 220-221
(8) تعبان العراء أحسن من المرأة العانس
9- المرنيسي فاطمة ، ما وراء الحجاب : الجنس كهندسة اجتماعية ، ترحمة فاطمة أزرويل ، المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة ، الدار البيضاء ، المغرب ، 2005، ص 32 .
10- المرنيسي فاطمة، مرجع سابق ، ص 3
11--أزرويل فاطمة الزهراء، المرأة بين التعليم والشغل.الطبعة الأولى، دار وليلي للطباعة والنشر، مراكش، 1996 ص 8
12- المرجع نفسه، ص 12
13- أديوان محمد، صورة البنت/ الأم بين الواقع التربوي و الخطاب المدرسي ، مجلة علوم التربية، عدد12 ، مارس 1997 ص 82
14- أديوان محمد، مرجع سابق ، ص 83
15- أزرويل فاطمة الزهراء ، مرجع سابق ، ص 15
16- أديوان محمد ، مرجع سابق ، ص 83
17-أديوان محمد ، مرجع سابق ، ص 86 ن نقلا عن عرض للسيد أبو الرازق محمد ، متغيرات ديموغرافية وأثرها على الحاجات الأساسية للسكان ، مديرية التخطيط ، الرباط ، 7 يناير 1991 ، ص 12
18-ازرويل فاطمة الزهراء ، مرجع سابق ، ص 45 / نقلا عن استمارة مستوى العيش للأسر ، 1991 ، مديرية الإحصاء .
* مأخوذة من كراس اتفاقية حقوق الطفل الذي أنجزته الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان و مكتب منظمة اليونيسيف بالرباط، رقم الإيداع القانوني 1996//954
19- عن اتفاقية حقوق الطفل، الواضح في اللغة العربية، كتاب التلميذ للسنة الرابعة الابتدائية ص 76 .
20-الواضح في اللغة العربية للسنة الرابعة الابتدائية ، كتاب التلميذ ، ص 65
21-المرجع نفسه، ص 65
22-الواضح في اللغة العربية للسنة الرابعة الابتدائية، كتاب التلميذ ص 133
23- الواضح في اللغة العربية للسنة الرابعة الابتدائية، كتاب التلميذ ص 133
24- في رحاب اللغة العربية للسن الثانية الابتدائية، كتاب التلميذ ص 6
25-دعم الكفايات التربوية: الإنصاف في الفضاء المدرسي، مديرية العمل التربوي، ص 39 .