الأربعاء، 16 يوليو 2008

تحديات التنمية المستديمة

ثمة علم يعاني من إثبات صورته ويعرف تطورات غير متوازنة في مختلف المجالات المعرفية وهناك تكنولوجيا تتطور بشكل مروع لكنها وبشكل واضح غير قادرة على ضمان تنظيم نفسها اجتماعيا، بهدف حماية البيئة والتغلب على الفقر، كما أن هناك أزمة للتنمية في جل المجتمعات. هذه هي المشاكل التي تبرز في إطار تحليل العلاقات ما بين البيئة والتنمية.
لهذا سنتناول في هذا المقال، التحديات التي تواجه التنمية المستديمة :
- التحديات:
هناك أربع تحديات كبرى يجب رفعها في إطار عملية حماية البيئة بهدف تحقيق تنمية مستديمة:
1) استهلاك الطاقة والتوازنات الطبيعية:
البيئة أو بالضبط "الإيكوسفير" بمعنى الوسط المتفاعل والمشكل من تبادلات وظيفية ما بين الهواء (الغلاف الجوي)، الماء (غلاف الأرض المائي)، العالم المعدني (الغلاف الصخري) والعالم الحي (المحيط الإحيائي)، يظهر اليوم على أنه مهدد في توازناته الأساسية بسبب توسع النشاط الصناعي الذي طبع القرن العشرين.
إن المشكل الإيكولوجي الأكبر هو ذاك المتعلق بالنفايات التي لم تخضع لإعادة التصنيع، بمعنى تلك المواد التي تصنع خلال سيرورة التحويل الإنتاجية بحيث أنها لا تستطيع الاندماج مع الميكانيزمات الخاصة بالتنظيم الذاتي للبيئة. فكل إضرار بتركيبة العناصر الخاصة بالنظام البيئي تفرز لنا ما نسميه بالتلوث، حيث نميز بين التلوث الجزئي والتلوث الكلي حسب جسامة الأضرار على الدورات الطبيعية وأهمية اختلاف التوازنات، التي تنتج عن ذلك. وكما نعلم فالمصدر الرئيسي للتلوث الكلي مرتبط باستهلاك الطاقات الباطنية، لكن الطاقات البديلة ليست أقل خطورة من الأولى بل أنها ميتة بالنسبة لأنواع الحية.
بفعل التأثير المصاحب لاحتراق المواد الباطنية –غاز، نفط، كاربون، إلخ...- والقضاء على المحيط الغابوي، فإن تركيز غاز الكاربون في الهواء لم يتوقف عن الارتفاع منذ بداية القرن، حيث تقدر نسبة ازدياده في الهواء سنويا ب: 0,2%. كما أن هذا الغاز له قدرة على منع انعكاس الأشعة الشمسية تحت الحمراء في الفضاء، وبالتالي فهذا التركيز المرتفع له تأثيرات على حرارة الأرض. فالعديد من الدراسات تؤكد أنه إذا تضاعف تركيز الكاربون في الغلاف الجوي (وبعض الدراسات ترى أن هذه الحالة ستتحقق في القرن 21). فإن متوسط حرارة الأرض سيرتفع من °1,5 إلى °4,5 ويعتبر "de serre" أن هذا التأثير سيكون وشيكا إذا أخذنا بالحسبان ازدياد تركيز غازات أخرى كالميثاق أو أوكسيد الآزوت. كما نعلم أن الاستعمال المكثف للغازات (Aérosols) أدى إلى إضعاف طبقة الأوزون (على مستوى الغلاف الجوي). كما سهل تسرب الإشعاعات الشمسية. وأخيرا، فإن تحولا عميقا سيطرأ على درجة حرارة الأرض التي تعرف تفاوتا حسب خطوط العرض، ونظم الرياح و التيارات البحرية وبالتالي التساقطات المطرية. بالإضافة إلى مستوى البحر الذي من المتوقع أن يرتفع ليحجب بعض البلدان عن الخريطة. لهذا سنقبل بأنه إذا بلغنا مستوى معين من تركيز غاز الكاربون أي ضعف المستوى الحالي (لتحقيق هذا يلزمنا 900 سنة)، فإننا نفترض بأن تصبح كل احتراقات المواد الباطنية معلقة. ويضاف إلى هذا تزايد النمو الديموغلاافي على مستوى العالم وعواقبه المحتملة على النشاط الاقتصادي الشامل، والتي تقود إلى توقع نسب تركيز عالية جدا. كيف إذن يمكننا إبراز خطر الإخلال بالتوازن الحراري وكيف يمكن تحديد منهج معين للتحول الطاقي؟. إذن فعدم التراجع عن هذه النشاطات سيصبح مبدأ مركزيا بالنسبة لهذه العلمية.
هناك مصادر طاقية أخرى متوفرة والتي قد تكون أقل إضرارا بتركيبة الغلاف الجوي، ونذكر هنا الكهرومائية والانشطار النووي. إلا أن الكهرومائية ليست بالضرورة مجردة من الأضرار (أضرار بالمواقع، أخطار تصدع السدود، الارتباط بالعوامل المناخية). زد على ذلك أنها لا تشكل بالنسبة لعدة مناطق سوى طاقة مكملة في إطار سياق صناعي متطور. أما فيما يخص الانشطار النووي فهو يضم ثلاثة أنواع من الأخطار. فمن جهة، هناك حادثة "تشرنوبل"، التي نذكرها بكل حزن، حيث أن المراكز النووية تشكل خطرا كبيرا بالنسبة للساكنة المحيطة بها وبالنسبة للدورات البيولوجية التابعة للمناطق المعنية، هذا بخصوص شعاع يستطيع الذهاب حتى آلاف الكيلومترات من مصدر بعث تلك المواد الخطيرة. ومن جهة أخرى، هناك تخزين النفايات التي لها نشاط إشعاعي والتي تشكل ولقرون قادمة مصدرا دائما لتلويث ممكن للبيئة، كما أن عملية إلقاء النفايات في البحار أو نقل المواد الخطيرة تجاه المناطق المحرومة لا تؤدي سوى إلى دفع الخطر إلى هناك حيث لا توجد تلك الضمانات التي تقدم سياقا تكنولوجيا متقدما على مستوى مراقبة أخطارها. وأخير، فازدياد المراكز النووية يجسد تلك التهديدات المتمثلة في تكاثر الأسلحة النووية خارج إطار أي تنظيم أو تقنين دولي. بالإضافة إلى أن الاستعمال العسكري للطاقة النووية يسبب خطر الحوادث خلال زمن السلم (حوادث الطائرات والغواصات، حاملات الرؤوس، أخطاء بشرية، ومعلوماتية، انحرافات إلخ...) فهو الآخر يتحمل أخطارا هائلة.
إلى جانب هذه الأنواع من التلوث الكلي التي تستطيع، والى حد كبير أن تجعل كل حياة على الأرض مستحيلة، فالتأثيرات الفيزيائية الأخرى للتصنيع على البيئة تستطيع أن تظهر على شكل أضرار بسيطة: كتلوث الهواء في المراكز الصناعية الكبرى، تأسيس المدن العملاقة (Mégapodes) وتدمير المناطق الخضراء، ...إلخ هذه الأضرار التي تظل في تزايد مستمر إنها حالة تشويه المواقع عن طريق المزروعات الصناعية أو السياحية وتدمير الغابات عن طريق الأمطار الحمضية واختفاء عدد كبير من الأنواع الحيوانية. حيث يرى بعض المختصين أن عملية الاختفاء هاته ستطال 20% من الأنواع خلال العشرين سنة القادمة والتي كانت بنفس القدر خلال الستين مليون سنة الماضية.
إن الآراء المذكورة فيما يخص ارتفاع حرارة الأرض عن طريق احتراق المواد الباطنية، تعتمد على فرضيات معقولة بخصوص معدلات النمو السكانية والاقتصادية الحالية لمختلف الدول الصناعية والتي ترتبط بنظيرتها في الدول السائرة في طريق النمو. حيث أن الإنسانية جمعاء والتي قدر عددها سنة 2000 ب 6 مليار شخص، تستهلك طاقة تعادل تلك التي تستهلك في بلد صناعي كفرنسا مما يجعل الاستهلاك العالمي للطاقة يرتفع إلى ثلاثة أضعاف.
2) المخاطر الجوهرية للتقدم العلمي والتقني:
في عصرنا هذا، تضطلع التقنية بتحديد طريقة توجيه التقدم التقني. إنها وضعية خطيرة، في عصر يتميز بتقنيات جد مصنعة ويتضح ذلك انطلاقا من الاكتشافات العلمية التي تهم بنية المادة العضوية والغير عضوية التي بلغت عتبة تحرير كمية مهمة من الطاقة ومن المواد الإشعاعية القادرة على الإضرار ببنية الكائنات ككل، بهدف مراقبة تطور مختلف الأنواع، وبالتالي فهم النوع الإنساني والتغلب على بعض العوائق الخارجية عن طريق إحداث تغيرات داخلية على الموروث الجيني. فالمشكل المطروح من خلال هذه التقنيات الجديدة، مضاعف: فهناك ما هو مرتبط بقصديتها -في أية حدود وتحت أية شروط نستطيع أن نحفز تطبيقات النقل الجيني أو نقل الطاقات إلى مستويات عالية؟- وهناك ما هو متعلق بالأخطار المتوقعة. بالإضافة إلى أن بلوغ الأنشطة النووية أعلى مستوياتها يجعلنا نتوقف عند التكنولوجيا الإحيائية (biotechnologie) المرتبطة بالتنوع البيولوجي (biodiversité) والطرق والوسائل التي يجب إتباعها من أجل حمايته.
لكن بالرغم من أخطارها، فقد فتحت التكنولوجيا الإحيائية آفاقا في مجالات مختلفة ومتعددة كالصناعات الغذائية الزراعية، الكيميائية والصيدلية أو على مستوى الأبحاث الطبية. إن البوادر الحديثة لهذا العلم (أول تجربة لفصل الجينات "in vitro" تعود فقط لسنة 1973) تمثل ثورة حقيقية في العلاقات ما بين الإنسان والطبيعة: حيث عملت الهندسة الوراثية على التوصل إلى نباتات ذات مميزات جديدة على المستوى الوراثي، لنبقى في انتظار أن تصبح قادرة على تثبيت الآزوت بشكل مباشر في الهواء، كما أن هناك دراسة لعمليات موج جيني تسمح بإمكانية التوصل إلى حيوانات خاصة بالمجزرة تكون أكبر حجما، ولحومها أقل دسامة، بالإضافة إلى أبقار حلوبة ذات إنتاجية عالية. ففي القريب العاجل ستكون هناك إمكانية القيام بجراحة حقيقية حتى على الجينات الإنسانية. إذن فالإنسان أصبح بإمكانه أن يتصرف في سلالته دون أن يستطيع تقييم النتائج الحقيقية بهذه التغييرات، كما أنه لا يهتم بتحديد الأهداف والمشاكل الأخلاقية التي تطرحها هذه العملية. فبالإضافة إلى غياب إمكانية تعديل هذه التغييرات الوراثية، هناك عنصري الأخلاق وعدم القدرة على التنبؤ بالنتائج.
إن أخطار التغييرات الجينية هي بالفعل أخطار كبرى ولاسيما أنها غير متوقعة ويصعب التحكم فيها. كما أن البكتريات الجديدة لها قدرة خطيرة على إنتاج غازات سامة أو التسبب في أوبئة لا شفاء منها. إن التغييرات المحدثة على مستوى النباتات المزروعة في الهواء الطلق، تستطيع أن تنتشر وأن تنقل خصائص جديدة على مستوى الأنواع الأخرى، الشيء الذي يمكن أن يكون كارثيا خصوصا إذا كانت هذه الأعشاب المضرة قادرة على مقاومة المبيدات والحشرات التي تدمرها. بالإضافة إلى أن الحيوانات المعدلة وراثيا لها عواقب طبية تكمن خطورتها في كونها تستطيع إعادة إنتاج نفسها وبالتالي التسبب في نتائج غير محسوبة بالنسبة لمصير النوع. أمام هذه الاحتمالات الجديدة بخصوص هذه العملية، تطرح مجموعة من الأسئلة الرئيسية بشكل عاجل، هل دينا الحق بأن نتدخل في جينات الجنين البشري بهدف "تحسينه"؟ فمن علم المداواة إلى علم التعديلات الجينية ليس هناك سوى خطوة سهلة التجاوز: فهل من الواجب منع أي نوع من علم المداواة الجينية على الجنين؟ ألا نخاطر بإتلاف نهائي للنوع البشري بالسعي إلى تحسنيه؟ كيف إذن يمكننا تقييم مشروع له عواقب طبية ويسعى إلى تحقيق تحولات جينية انطلاقا من المني البشري.
3) الصراع ضد الفقر والضبط الاجتماعي للمعرفة:
قد نتفق جميعا على أن الصراع ضد الفقر يشكل أحد التحديات لسياسات التنمية ولتوظيف المعارف العلمية والتقنية. وتعرف الفروقات في الدخل داخل البلد الواحد أو بين الدول بعدا هائلا. كما أن حجم المعارف العلمية أو التقنية التي يجب تحريكها من أجل القضاء على الفقر تبقى غير كافية. هذا مع العلم، أنه في الحالة التي تم فيها توظيف هذه المعارف، وفي الحالة التي تغيرت فيها خريطة التكنولوجيا في العالم، لم يتراجع الفقر بطريقة ملموسة ولم يتم المحافظة على البيئة أيضا.
لقد عرفت التكنولوجيا انتشارا دوليا مكثفا خلال 25 سنة التي خلت، كما عرفت الخريطة الصناعية والفلاحية للعالم تغيرا جذريا. لكن إذا استثنينا بعض الحالات القليلة لم تؤد هذه التحولات إلى النتائج المرجوة على مستوى التنمية المستديمة وتقليص ظاهرة الفقر. لقد تم الخلط في حالات عدة بين التحولات التكنولوجية والتنمية والتكنولوجية المحلية، كما لاحظنا أن بعض الدول لا تستعمل بالقدر الكافي إمكانياتها المعرفية والتقنية وقدراتها الصناعية وذلك نتيجة إتباعها سياسات غير منسجمة ومحكمة اتجاه التكنولوجيا. كما لاحظنا بلدانا أخرى تتسارع في إقامة مشاريع كبرى لا علاقة لها بإستراتيجية اقتصادية كلية ومنسجمة، بل بالعكس أدت في معظم الأحيان إلى تأثيرات سلبية على البيئة.
وبناء عليه يطرح السؤال التالي: ألا تشكل بعض أشكال الاستيرادات للتكنولوجيا من طرف الدول النامية عائقا ضد تنميتهم العلمية؟ ومن الأهم بما كان أن يطرح هذا السؤال لأسباب عدة، ومن جملتها توفر الموارد الخارجية. وعلى العموم إن أغلب الدول السائرة في طريق النمو لم تستطع امتلاك مراقبة تكنولوجية الاختراع والإنجاز وتوظيف وسائل الإنتاج، ففي إفريقيا وفي جنوب الصحراء الكبرى وعلى الخصوص في بعض الدول العربية أدت وفرة الرساميل إلى تبني اختيارات رأسمالية بدون أي ارتباط معقول مع أهداف ووسائل هذه الدول.
4) النمو الديموغرافي
ويتجلى التحدي الرابع في النمو الديموغرافي؛ ومن الطبيعي أن يتفاقم الفقر وتتفاحش الفوارق ويشتد بموازاة مع هذا الضغط على الموارد الطبيعية. 95% من الولادات تتم حاليا في البلدان النامية، وتوقعات منظمة الأمم المتحدة أن تسعة أعشار من هؤلاء الناس سيعيشون في النصف الثاني من القرن 21 في البلدان الأكثر فقرا. وأن التطور العالمي لبنية التقنيات والأسواق ورؤوس الأموال غير مكثرته بالتكتلات البشرية القادمة وسوف تزيد من تهميشهم ويصبح الفقراء لأسباب جغرافية الأكثر عرضة لقلة الماء والموارد الطبيعية من أجل تنميتهم، كما أن زراعتهم الهشة ستزيد من مخاطر المجاعة وإتلاف الأراضي. ويعرف مستوى العلاج الطبي اختلافا هائلا بين الدول الغنية والدول الفقيرة، حيث أظهرت المنظمة الدولية للصحة فوارق متطورة في وسائل التطبيب ومتوسط العمر بين دول الشمال والجنوب. وقد يزداد هذا الفرق اتساعا مع التطور السريع للأساليب العلاجية في البلدان الصناعية وغياب أو افتقار بنية تحتية صحية صالحة لتوفير العلاج في معظم دول المعمور. وفي هذا الصدد لا يسعنا إلا أن نندد بالذين يعتبرون بأن نسبة الوفيات المرتفعة في بعض مناطق العالم تقتضي منا تحليل سيرورتها، وثيرتها، ووسائلها وأن ندرس بطريقة أحسن علاقتها مع البيئة. إن الصراع ضد الفقر لا يمكن أن يتجسد إلا ضمن تغيير متواز وعميق لأنماط السيطرة وإعادة الإنتاج.
ترجمة:بولعلام محمد
اللجنة المحلية لافران أ/ص

ليست هناك تعليقات: