السبت، 31 مايو 2008

صندوق المقاصة : جبهة اخرى للهجوم النيوليبرالي

لا يجب النظر إلى مشكل غلاء أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية كقضية معزولة، لأن حاجة المواطنين الكادحين إلى الخبز والحليب والسكر هي ذاتها نفس الحاجة للخدمات الصحية والتعليمية والماء والكهرباء والى إلى أجور تضمن الحد الأدنى من المعيشة.
إن الارتفاع الحالي لأسعار المواد والخدمات الأساسية نتيجة مباشرة لسياسة خوصصة الخدمات العمومية وتفويت تدبير مرافقها إلى الشركات متعددة الجنسيات وإلغاء الدعم العمومي وتحرير الأسعار و تعميم الضريبة على المواد والخدمات الأكثر استهلاكا. لذلك فالارتفاع الحالي للأسعار ليس الأول ولن يكون الأخير. فباستمرار سياسة عامة يحددها مبدأ السعي نحو الربح ( ومنطق الربح لا حدود له ) على حساب تلبية الحاجيات الاجتماعية فان ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية للعمال وكافة الشرائح الكادحة بل والمتوسطة.
الأمر يتعلق بالإجمال بسياسة اجتماعية نيوليبرالية تقوم على أساس تقليص/أو إلغاء الميزانيات والنفقات العمومية الموجهة لمجمل الخدمات الاجتماعية العمومية وهي سياسة مملاة من المؤسسات المالية العالمية (البنك العالمي - صندوق النقد - المنظمة العالمية للتجارة) فمنذ بداية الثمانينات مع تطبيق برنامج التقويم الهيكلي دشنت الدولة مخططا للتقليص الجذري لكل الميزانيات الموجهة للقطاعات الاجتماعية العمومية وكانت سياسة التحرير الشامل للأسعار احد مرتكزات هذه المخططات. لذلك فنقاش نظام دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية ليس مبنيا على حسابات الأرقام والطرح المغلوط للمشكل (كونه سعي للبحث عن نظام أكثر جدوى من صندوق المقاصة لدعم الفقراء ) بقدر ما هو مرتبط بنمط التنظيم الاجتماعي بشكل شمولي لذلك فجوهر الإشكال سياسي وليس خلافا حول الأرقام والمعدلات .
كيف تشكل نظام الدعم بالمغرب ؟ فماهي أسس ومبررات هذا الهجوم النيوليبرالي لالغائه ؟ وماهي حصيلته؟ أية حلول وبدائل ؟

1 / كيف تشكل نظام الدعم ؟

تأسس صندوق المقاصة سنة 1941 من طرف السلطات الإستعمارية الفرنسية بغية تجاوز صعوبات التزود بالمواد الغدائية و المنتجات الأولية الصناعية لتقنين الأسعار و تشجيع تنقيلها الى بلدها و ذلك في سياق تجاوز الإنعكاسات السلبية للحرب العالمية التانية على اقتصادها و اقتصاد مستعمراتها. و بعد الإستقلال الشكلي استمرت الدولة المغربية في نفس السياسة خاصة منذ منتصف الستينات حتى صدور الظهير المؤسس لصندوق المقاصة كمؤسسة عمومية ذات استقلال مالي و شخصية معنوية في 10 أكتوير 1977 . سطر هذا الظهير 3 أهداف أساسية لهذا الصندوق :
- تنظيم النزود بالمواد الإستهلاكية الأساسية.
- تأمين المقاولات من تقلبات أسعار المواد الأولية .
- حماية المستهلكين عير التحكم في أسعار المواد الإستهلاكية الأساسية
بني نظام الدعم هذا على قطبين :
- صندوق المقاصة
- المكنب الوطني المهني للحبوب و القطاني .
كان الدعم يشمل حتى بداية التمانينات 7 مواد هي ( الحليب- الزيدة – الزيت – السكر – غاز البوتان – الدقيق الوطني – دقيق القمح الصلب ) و أضيفت المواد البترولية سنة 2000 في حين أصيح الدعم الآن مقتصرا فقط على ثلاث مواد هي : السكر – الدقيق الوطني / فارينا – غاز البونان .

تمويل نظام الدعم يتم عبر مصدرين :
- ميزانية الدولة .
- المعادلات البجمركية : هي حقوق مضافة الى حقوق الجمارك هدفها حماية الإنتاج الداخلي و يتم حسابها تبعا للأسعار العالمية . فالمعادلات الجمركية ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية أو أسعار العملات منخفضة، و تنخفض بارتفاع هده الأخيرة.
مداخيل المعادلات الجمركية يثم توجيهها الى حسابين : الأول تابع لوزارة الفلاحة ( المعادلات الخاصة بالدقيق ) و التاني تابع لوزارة المالية " صندوق التنمية الفلاحية " ( المعادلات الخاصة بالسكر و الزيت ) ليغدي في الأخير صندوق المقاصة .
الحجم الحقيقي للدعم حسب ميزانية 2008 :
· السكر : دعم جزافي ب 2000 درهم للطن
· القمح اللين : 250 درهم للقنطار ( الفرق بين التكلفة و ثمن البيع للمطاحن)
· المواد البترولية : دعم سنوي يصل 4.5 مليار درهم من 2001 الى 2007 ( 31.5 مليار درهم )
· تتحمل الدولة 60 درهما من ثمن قنينة البوتان من حجم 12كيلوغرام و 15 درهما من قنينة 3 كيلوغرام .

2/ أشكال وحصيلة الهجوم النيوليبرالي على نظام الدعم :
طيلة فترة الثمانينات دشنت الدولة هجوما ليبراليا على صندوق دعم المواد الأساسية ليبلغ مداه سنة 1996 . ففي 1983 قامت الدولة بإلغاء دعم مادتي الحليب والزبدة.أما بالنسبة للزيت فقد تم رفع أسعاره مابين 85 و1989 بنسبة 34 % الحبوب فقد ثم رفع أسعارها منذ 86 بشكل فاق السعر الرسمي المحدد كما أن الدولة منذ 85 قامت بتحديد سقف لتحمل مصاريف الدعم بنسبة20 % فقط للدقيق الرفيع{القمح الصلب}ليلغى فيما بعد و80% من الدقيق الوطني{فارينا}وفي سنة86 تم وضع سقف لتحملات الصندوق لكن الانعطافة الحاسمة كانت سنة 1996:فقد كان نظام الدعم قبل هذا التاريخ يحدد بناء على عاملين :
1- حجم الإنتاج{تبعا لكمية المحزونات لدى مصانع التحويل}
2- سعر التكلفة{أي انه يرتفع كلما ارتفعت التكلفة لسبب من الأسباب}
واعتمد هذا النظام في تمويل موارده على مصدرين :
1-ميزانية الدولة
2-المعادلات الجمركية{وهي حقوق مضافة لحقوق الجمارك هدفها حماية الإنتاج المحلي ويتم احتسابها تبعا للأسعار العالمية فهي ترتفع عندما تكون الأسعار العالمية او أسعار العملات منخفضة والعكس صحيح.وفي سنة 1996، تم تحرير واردات الزيت ، وتحرير أسعار النباتات السكرية لدى الإنتاج ، كما تم{تبعا للتحرير}تخفيض الاقتطاعات الجمركية من 25 بالمئةالى 2,5 . وتبعا لهذه السياسة تم وضع نظام جديد لحساب الدعم عوض الاعتماد على عاملي حجم المخزونات وسعر التكلفة هذا النظام الجديد هو الدعم الجزافي وتطوير تقنية تطبيق المعادلات الجمركية.لذلك أصبح يحتسب بناء على حجم المبيعات ولم يعد رهينا بتكلفة الإنتاج وإنما بدعم جزافي وهو خطوة في اتجاه التحرير لان الدعم الجزافي يفترض منافسة بين المقاولات. الوحدات الإنتاجية الأكثر توفرا على شروط المنافسة والتي تستطيع تبعا لذلك تخفيض كلفة الإنتاج هي التي تستفيد.كما طورت الدولة تقنية احتساب المعادلات الجمركية لتكييفها مع تذبذب السعر الدولي بناء على مرسوم اكتوبر1998.
وبعد مجيء حكومة "التناوب"سنة1998 واصلت تطبيق هذه السياسة مستعينة بحجج البنك العالمي وصندوق النقد الدولي حيث طرح ابرز الكوادر الاتحاديين احمد الحليمي تلك المبررات الديماغوجية النيوليبرالية حول ضرورة إلغاء نظام الدعم, "ليستهدف الفئات المحرومة من المستهلكين عبر مبادرات أخرى تمنح لهذه الفئات موارد اما عبر الشغل أو الهبات او بصيغة تخفيض الأعباء التي تعاني منها هذه الفئات"فأقدمت حكومته على الإلغاء الرسمي للدعم المخصص للزيت في يونيو 2000 وفي نونبر من نفس السنة تم التحرير الشامل لقطاع الزيوت الغذائية بما فيها أسعار الاستهلاك وإلغاء الدعم وفي يوليوز 2001 بدأ العمل بمقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة ( ظهير رقم 225-00-1 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 99-66 الصادر في 05 يونيو 2000 ) مع استثناء 30 مادة بينها بعض المواد الغذائية والأدوية وفي سنة2004 ثم رفع أسعار الخبز من1,10درهم الى1,20 مع تخفيض وزن الخبزة من 200غ الى 160غ .وفي سنة 2005 تمت خوصصة اربع مصانع للسكر لصالح شركة اونا التي اصبحت تهيمن على انتاج الغذائية بحيث تحظى بحصة %80 من السوق الوطنية عبر شركة "لوسيور-كريسطال"وفي انتاج السكر اصبحت النتج الوحيد لسكر القالب الذي يشكل50 بالمئة من الاستهلاك الاجمالي.كما ان 13 بالمئة من سوق الاقراط تعود اليها.و90بالمئةمن انتاج سكر القالب والاقراط يعود اساسا لشركة كوزيمار وتتجه الان شركة"اونا" نحو الاحتكار الكامل لانتاج السكر بعدما فازت في غشت 2005 بصفقة خوصصة 4 شركات للسكر .

3/ مبررات الخطاب النيوليبرالي لإلغاء دعم المواد الاستهلاكية ؟
1- إثقال كاهل ميزانية الدولة :
كان البنك الدولي أول من طالب بإلغاء دعم المواد الغذائية الأساسية في تقريره في اكتوبر 1983 مبررا ذلك بثقل حجم مصاريف الدولة من الدعم مما جعل الدولة تستجيب لهذا المطلب في نفس السنة بإلغاء دعم مادتي الحليب والزبدة مستمرة بشكل متدرج في الحد من مبالغ الدعم ومعدلاته حتى شارفت اليوم على إلغائه نهائيا وإغلاق صندوق المقاصة .
لإدراك تفاهة هذا المبرر يكفي النظر إليه من زوايا متعددة :
1- احتساب الحجم الحقيقي للدعم نسبة إلى مستوى الأجر الشهري بخلفية أن نظام الدعم هو جزء غير مباشر من أجور العمال ففي الفترة مابين 1980-1988 صرفت الدولة في المجموع 14,062 مليار درهم لدعم مجموع المواد الغذائية الأساسية أي أنها صرفت في المتوسط 1,75 مليار درهم وحصل كل مواطن في كل سنة في المتوسط على 72,4 درهم لدعم مجموع المواد الغذائية المدعمة وهو ما يعني أن هذا الدعم هزيل جدا حين يتم احتسابه بهذه الطريقة التي توضح حجمه الحقيقي إضافة إلى أن الدعم في مرحلته الأخيرة لم يكن يشمل سوى ثلاث مواد[السكر-غاز البوتان-الدقيق الوطني{فارينا}]بعدما كان عددها 7 مع بداية السبعينات [الحليب-الزبدة-الزيت-السكر-غازالبوطان-الدقيق الوطني-دقيق القمح الصلب]. ورغم ارتفاع مبالغ الدعم في السنوات الاخيرة فإن معدل الدعم لا يتجاوز 15.6 درهم للمتوسط الشهري للفرد و 32 درهم للمتوسط الشهري لللأسر فضلا عن ان معدل الإستهلاك الغدائي الشهري للأسر يقدر 2135 درهم و بالنسبة لمنوسط الفرد الشهري فهو يناهز 413 درهم) .
ارتفعت مخصصات صندوق الدعم برسم 2008 إلى حوالي 20 مليار درهم ( 14 مليار درهم في 2007 ) بعدما كانت لا تتجاوز طيلة السنوات الماضية معدل 2 مليار درهم سنويا . و 20 مليار درهم رقم مهم ( يمثل % 16 من ميزانية التسيير و % 55 من ميزانية الاستثمار) لكن الأمر لا يعني شيئا بالمقارنة مع كلفة المعيشة ، فمن جهة تمثل نسبة مساهمة الصندوق فقط 15% في حين تأتي 85 % ( دون احتساب القمح ) من الميزانية العامة . كما ان السؤال المطروح هو ماذا تمثل النسبة الفعلية لمساهمة الدولة من 85 % هاته إذا اخذنا بعين الاعتبار أن مداخيل الضريبة على الاستهلاك للمواد البترولية تمثل نسبة 32% من مبلغ الدعم . و بتزامن ارتفاع أسعار البترول مع انخفاض حاد لسعر الدولار مقارنة مع الأورو ، وهي وضعية مفيدة للمغرب لأن 60% من مبادلاته التجارية هي مع اوربا ، وطالما بقي يشتري البترول بالدولار ، فمادا يمثل (من زاوية اجمالية) هذا الفارق من مجموع مبالغ الدعم ؟ اضافة الى كون المغرب قد تلقى هبات بترولية هامة من بلدان عربية فماذا يمثل حجم هذه الهبات من المبلغ الاجمالي للدعم ؟ الشفافية لا تعني اعلان مبلغ اجمالي في 20 مليار درهم و لكن تفاصيل الأجزاء المكونة له والجزء الفعلي الذي تحملته الدولة .
إلى حدود 73 كان التكافؤ حاصلا بين مداخيل الصندوق من المعادلات الجمركية مع ما يصرفه من دعم . في سنة 1986 ومع إحداث الضريبة الداخلية على الاستهلاك /للمواد البترولية ( ضمن TIC ) نزعت للصندوق جزءا من مداخيله من المصدر . استمرت الدولة من 86 فما فوق في فرض الضريبة على الاستهلاك الداخلي للمواد البترولية موجهة لميزانية الدولة وليس لصندوق المقاصة . كل هذا ترافق مع تخفيض قيمة المعادلات الجمركية من % 25 الى % 2.5 .
إن الانتقال من 2 مليار (كمعدل للدعم الى حدود نهاية التمانينات ) الى 20 مليار لا يعني سوى ارتفاع مخصصات دعم المواد البترولية من المبلغ الاجمالي للدعم حيث تتجاوز 62 % منه .
2 - احتساب الدعم عبر مقارنة حجمه بمستوى تطور تكلفة المعيشة, فاستنادا إلى دراسة حول تطور اسعار5 مجموعات من المنتجات هي التغذية والألبسة والسكن والتطبيب والنقل فان مؤشر سعر مجموعة المواد الغذائية هو الذي سجل أعلى ارتفاع قدره 10% في المتوسط أي أنها تضاعفت عموما في ظرف 15سنة شملتها الدراسة بحوالي 4 مرات رغم أن من بينها مواد مدعمة .
3 - احتساب حجم دعم الدولة للمواد الغذائية الأساسية نسبة إلى المصاريف العامة للدولة من جهة ونسبة إلى الناتج الداخلي الخام من جهة أخرى فهو يبين أن الدولة سائرة أصلا في الحد من حجم الدعم في أفق إلغائه ابتداء من 86 بنسبة %40 الى50% كل سنة .
4 - احتساب حجم دعم المواد الاستهلاكية الأساسية بمقارنتها بميزانيات الداخلية والأمن واسترداد الديون الخارجية وميزانية القصور والتشريفات والأوسمة ففي نفس السنة 2004 خصصت الميزانية العامة 30 % لخدمة الديون 20 % للنفقات العسكرية وهي نفس النسب لسنوات 1998-2002 : 25% للميزانيات الاجتماعية كلها مقابل 52% لميزانية خدمة الديون والنفقات العسكرية . وبرسم ميزانية 2008 لا تمثل ميزانية التسيير في القطاعات الإجتماعية سوى 44.33 مليار درهم أي 21.8 % من مجموع نفقات الميزانية العامة ، أما نفقات الإستثمار فتبلغ 6.35 مليار درهم أي 3.05 من مجموع النفقات العامة . اما تكاليف المديونية فتمثل 23.01 % من مجموع ميزانية الدولة و هي 7 مرات ميزانية الصحة و تمتص عمليا 42.41 % من المداخيل الجبائية لسنة 2007 .
5 – الحجم الحقيقي للدعم الذي يقال عنه بأنه يثقل كاهل الميزانية العمومية :
• السكر : دعم جزافي ب 2000 درهم للطن
• القمح الللين : 250 درهم للقنطار ( الفرق بين التكلفة و ثمن البيع للمطاحن)
• المواد البترولية : دعم سنوي يصل 4.5 مليار درهم من 2001 الى 2007 ( 31.5 مليار درهم )
• تتحمل الدولة 60 درهما من ثمن قنينة البوتان من حجم 12كيلوغرام و 15 درهما من قنينة 3 كيلوغرام .
2 – نظام الدعم لا يخدم الفئات الفقيرة !!!
يستند هذا المبرر سواء في خطابات وكلاء البورجوازية المحلية(الحليمي نموذجا)او في تقارير البنك الدولي على أن نظام الدعم لا تستفيد منه الفئات المحرومة وان طابعه العمومي هو سبب النهب الذي يسوده . وقد أورد احمد الحليمي مثال فضيحة المطاحن سنة 1990 حيث تم اختلاس مبلغ دعم الدقيق الذي صرفه المكتب الوطني للحبوب والقطاني {19,7 مليار درهم}لحساب الجمعية المهنية للمطاحن من طرف مسؤولي هذه الجمعية والمثال الآخر هو أن الدولة منحت " دعما عن 10 مليون قنطار لإنتاج الدقيق الوطني. لكن الخبراء يؤكدون أن الكميات الموجهة للسوق لا تتجاوز ثلاثة ملايين قنطار. أي أن الدعم الموازي لسبعة ملايين قنطار ينهب على شكل عائدات مالية للمستفيدين من الدعم ( المطاحن)".
إن هذين المثالين من ضمن العديد من الفضائح الأخرى لنهب المال العام يتم استعماله لغاية إلغاء ذلك النزر اليسير الذي تقدمه الدولة لدعم المواد الاستهلاكية في حين انه يجب النظر إليه من زاوية أخرى هي الطابع البيروقراطي الإداري في تسيير هذه الصناديق والمرتبط بدوره بالطابع الاستبدادي للدولة.
من جهة ثانية سيمنحنا تحليل شكل الدعم وحجمه وطرق احتسابه فهما واقعيا عن الشرائح الاجتماعية المستفيدة منه.فالدعم لا يتبين حجمه إلا عند نهاية كل مراحل مسلسل الإنتاج{المنتجين-الوسطاء-شركات التحويل}وعند تحديد الفارق بين سعر التكلفة النهائي وسعر البيع العمومي يتم رصد الدعم ليغطي هذا الفارق.وفهم الوجه الحقيقي للدعم وأية مصالح طبقية يخدمها يتأتى لنا بالوقوف عند كل مرحلة من مراحل تشكل سعر التكلفة ، فالمنتجون الصغار رغم الأسعار الرسمية لدى الإنتاج لا يستفيدون إلا من هامش ربح صغير نظرا لافتقارهم للوسائل التقنية الكافية{بعد أماكن تسليم المنتجات- النقل} رغم أن هذه الفلاحة موجهة لتلبية حاجات الاكتفاء الذاتي للفلاحين الصغار في حين أن الفلاحين الكبار هم المستفيدون من هذه العملية . فـ 240 درهم للقنطار من الحبوب لا تعني شيئا لفلاح صغير يملك هكتار أو 2 هكتار في حين تعني أرباحا طائلة للفلاحين الكبار الذي يملكون مئات الهكتارات.كما أن هذه العملية مضرة بالمستهلك لأنها تثقل سعر التكلفة بمبالغ غير مبررة يتحمل الكادحون دعمها من مبالغ الدعم والمتأتى أصلا من ميزانية عمومية تستنزفهم بالمبالغ الضريبية الطائلة .
أما الوسطاء والتجار والسماسرة الذين يرتبط وجودهم بنظام الامتيازات والرخص فهم أيضا تكلفة إضافية في تحديد سعر الإنتاج النهائي .أما شركات التحويل فأرباحها مضمونة سواء باحتساب الدعم على أساس حجم المخزونات قبل 1996 أو على أساس حجم المبيعات بعد 1996.ثم أن أرباحها مضمونة بالنظر إلى احتساب حجم الدعم على أساس حجم التكلفة .فهو لا يحتسب على أساس سعر المواد الفلاحية المعنية لدى الإنتاج فقط ولكن اعتمادا على كل ما يثقل حجم التكلفة في مختلف عمليات التحويل الجارية في المصانع{مصاريف الصيانة-الطاقة-أجور العمال-التلفيف-النقل...}كما يتحمل صندوق الدعم أيضا تحملات غير شرعية كمصاريف البذخ والأجور العالية والفوائد العينية للطاقم البيروقراطي المسير وفاتورات البيع الوهمية ...الخ }وبالإجمال فان مبرر أن الدعم لا يخدم الفئات الفقيرة هو مبرر متهافت لان جوهر المشكل يكمن في طبيعة الدولة الاستبدادية التي تضع الأرضية القانونية لنهب المال العام ( تعيين المسؤولين الكبار بظهائر ملكية – المؤسسات الفعلية اقتصاديا وسياسيا تقع خارج رقابة البرلمان رغم الطبع المزيف اصلا لهذا الاخير...)، بالإضافة إلى عدم اعتماد نظام الدعم كليا في جميع مراحل الإنتاج على خلفية دعم الفلاحين الصغار ثم عدم اعتماده على شركات عمومية للصناعات التحويلية وشركات عمومية في الانتاج والتوزيع {عوض الاعتماد على الوسطاء وسماسرة التجار}وقبل كل هذا أو ذاك فان دعم المواد الاستهلاكية الأساسية مكسب شعبي رغم جزئيته وعدم شموليته لمواد أساسية أخرى{الخضر-اللحوم...}يجب الدفاع عنه مع المطالبة برقابة شعبية على تسيير صندوق المقاصة .
يمكننا ان نسائل هذا المبرر من زاوية اخرى اكثر منطقية ، فإذا كان هاجس من يدعون الى اعادة هيكلة صندوق المقاصة أو حتى الغائه بمبرر أن الاغنياء هم الاكثر استفادة منه فلنمدد هذا المنطق حتى نهايته . اي ان نلغي كل ما هو في صالح الاغنياء !!!!!!!!!!!!!!
وحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط فان موادا من قبيل الخبز ، السكر ، الحليب ، الزبدة والزيت تمثل جزءا كبيرا من سلة استهلاك الشرائح الدنيا من المجتمع إذ تمثل اكثر من نصف ميزانيتهم الاستهلاكية ، في حين ان الشرائح العليا لا تمثل هذه المواد من سلة استهلاكها سوى % 32.7 .
إن نظام الدعم في جوهره هو تحميل الميزانية العمومية ( اي المجتمع ككل) جزءا غير مباشر من الاجور عوض تحميله لارباب العمل ولذلك فهو في اصله جزء من تكلفة اعادة انتاج قوة العمل . وأي دعوة الى الغاء صندوق الدعم فهي تتناسى هذا الجوهر مما يعني هجوما آخر على الاجور المتدنية أصلا مما سيؤدي الى الاجهاز على هذا الاجر غير الكافي حتى لاعادة انتاج بيولوجي (المواد الغدائية) لقوة العمل ، ناهيك عن الجزء التاريخي/الحضاري من الاجر !

4 - اية بدائل ؟
أغلب المحللين الليبيراليين المغاربة و خلفهم صندوق النقد الدولي متفقون على مسألة يعتبرونها بديهية هي و جود لا مساواة في الإستفادة من نظام الدعم حيث أنه يخدم الطيقات العليا من المجتمع و ليس فقراءه . لذلك يرون أن المنطق السليم يفرض إلغاء صندوق المقاصة في حين يختلفون في جزيئات الأرقام و طرق الحساب في البدائل التي يطرحونها .
الفكرة الأساسية لهذه البدائل هي تحديد الشرائح الإجتماعية الفقيرة ثم استهدافها بالدعم (ciblage) و ذلك عير ايجاد مصادر دخل لهده الشرائح أو تحديد عدد الفقراء ( يتحدثون عن حوالي 6 ملايين فقير بطرق حساب تحدد الفقير فيمن يعيش بأقل من دولار واحد في اليوم ) هذه العائلات تقدم لها علاوات مالية مباشرة كدعم بالإضافة إلى تغطية صحية جزئية للفئات غير الماجورة .
المشكل مرتبط بظاهرة الفقر الجماهيري بالبلد والمطلوب ليس تدبير حلول ترقيعية له بل مسائلة السياسة التي انتجته من اجل مراجعة جذرية لتلك السياسة . فان كان عدد الفقراء اليوم (ولو بطرق حسابية مغلوطة ) 6 ملايين فغدا سيرتفع العدد فهل سيتم حل المازق بتخصيص علاوات مالية اضافية ؟ ومن جهة اخرى فان حل الدعم بالاستهداف سيفترض ميزانية للتسيير ومؤسسات ادارية للتنفيد وموارد بشرية وكل هذا سيكلف الميزانية العمومية ، مع ما سيرافق العملية من فساد ، اكثر مما يشتكي منه الليبراليون حاليا .
إن جوهر كل هده الإقتراحات هو تسهيل عملية إلغاء صندوق المقاصة عبر إيهام جماهير الفقراء بوجود بدائل أكثر إفادة من صندوق الدعم و هي طريقة من جهة لتفادي الطرح الصائب للمشكل لكونه يقنضي إعادة نظر جدرية في السياسات النيوليبيرالية القائمة ، و من جهة تانية يعتبر كل هدا الركام من المبررات خدمة مجانية من طرف هؤلاء المثقفين المتبنين لخطاب "مشفق" على بؤس الفقراء حيث يعطون المبررات اليوم لإلغاء هذا الصندووق و يساهمون في نشر الأضاليل حول وجود بدائل له ، وغدا حين يتبين الوهم سيتدرعون بعدم وجود" إرادة سياسية للجناح المناهض للتغيير " داخل الدولة . و بذلك يقدمون مصالح الجماهير في طبق من ذهب لفائدة البورجوازيين مقابل فتات موائد هؤلاء .
إن وجود صندوق المقاصة (الموروث عن الاستعمار الفرنسي) مرتبط بطبيعة سياسة الدولة في السنوات التي تلت استقلال 1956 (المخططات الاقتصادية الاولى) وبنزوع الدولة نحو سياسة اكثر ليبرالية (تبعا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية) منذ بداية الثمانينات فان الخوصصة وتحرير الاسعار وسياسة فلاحية موجهة نحو التصدير للسوق العالمية عوض سياسة مرتكزة على ضمان الاكتفاء الذاتي الغدائي ستكون نتيجتها الطبيعية هي السعي الحالي لالغاء صندوق المقاصة .
-----------------------------------------------------------------------------------------
بالنسبة لمناهضي العولمة الراسمالية ، فلا مناص من الدفاع عن صندوق المقاصة كمكسب شعبي والنضال لاجل رفع عدد المواد الاساسية التي يجب دعمها ، ومن اجل رقابة شعبية على هذا الصندوق . لكن النضال من اجل هذا الهدف مرتبط ايضا بالنضال من اجل حد ادنى من الاجر ملائم لمستوى المعيشة الحالي ، وتعميم الحماية الاجتماعية ، ومن اجل سياسة فلاحية مبنية على هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي . بموازاة الكفاح لاجل نظام سياسي بديل يفك التبعية للراسمالية العالمية .
إن هذه البدائل واقعية وليست اساطيرمنطق ايديولوجي ، لكن بسبب كونها تتناقض مع المنطق الراسمالي ، فهي تستلزم ميزان قوى اجتماعي حقيقي ، يجمع ضحايا الرأسمال في حركة نضالية شعبية للكفاح ضد السياسات النيوليبرالية وضد الإمبريالية …










ليست هناك تعليقات: