السبت، 31 مايو 2008

أطاك المغرب
في مواجهة العولمة الليبرالية
عضو شبكة إلغاء ديون العالم الثالث.
الجامعة الربيعية: الدورة الرابعة أيام 2 و 3 و 4 ماي 2008 بالبيضاء.

ورشة "الخدمات العمومية: دفاعا عن المنطق التضامني ضد منطق السوق"

* أهداف الورشة:
- رصد الأشكال الملموسة للهجوم النيوليبرالي على الخدمات العمومية بالمغرب.
- بلورة الحجج المضادة وعناصر البديل الذي يجب أن تدافع عنه أطاك.
- تحديد أشكال التشهير والتعبئة والخطوات النضالية التي يمكن القيام بها.

* مداخلة عامة لتأطير النقاش

1. تعريف الخدمات العمومية
"يشمل مفهوم الخدمات العمومية بمعناه الواسع ثلاث فئات كبيرة:
- الخدمات التجارية الشبكية (الماء، الطاقة، المواصلات السلكية واللاسلكية، النقل) التي تمنح على أساس نظام تعريفة عمومية.
- الخدمات غير التجارية (الصحة، التعليم) التي تمنح على قاعدة المجانية الكاملة أو الجزئية
- وبشكل أوسع، هناك خدمات الحماية الاجتماعية التي تضمن حماية ضد "مخاطر" الأمراض والبطالة أو التقاعد" (ميشال هوسون: <<الخوصصة...لنوقف هذا النزيف>>).
لا ترتبط تلبية هذه الخدمات العمومية بمردوديتها المباشرة ولا بالقوة الشرائية الفردية للسكان المستفيدين منها. فمبدأ الخدمات العمومية ينطوي على فكرة تحديد الأسعار ومعادلتها من خلال وضع قواعد تزيل ربط الأداء بالكلفة الفعلية.
ويسعى الهجوم النيوليبرالي على المستوى العالمي لضرب الطابع العمومي لتلبية الخدمات الاجتماعية الأساسية وربطه بمنطق السوق، أي ربط الخدمة بالتكلفة الفعلية ولاستفادة منها بالقدرة على الأداء.
2. تطبيق مقتضيات الاتفاق العام حول تجارة الخدمات وجعل التعليم والصحة بالمغرب مجالات للاستثمار
بالنسبة للمغرب، مثلت الديون الرافعة التي سمحت بتطبيق مخططات التقويم الهيكلي في بداية الثمانينات، والتي كانت تتمحور حول استعمال كل السبل المتاحة قصد استخراج الموارد التي ستسمح بالحصول على العملة الصعبة. جرى التركيز على التصدير وتقليص نفقات الميزانيات الاجتماعية، والبدء تدريجيا بالخوصصة كوسيلة للحصول على العملة الصعبة وجذب الرساميل.
تهيمن على تجربة الخوصصة بالمغرب عمليات "بيع تصفية"، أي منح مؤسسات عمومية مربحة على طبق من ذهب للشركات متعددة الجنسيات وقسم من الرأسمال المغربي الكبير الذي يرتبط بها (اتصالات المغرب، قطاع البترول، الأبناك، التبغ،الفنادق، الفلاحة...). وتسمح طبيعة النظام وغياب الديمقراطية وضعف التعبئة الشعبية بتطبيق إملاءات مراكز القرار الإمبريالية وفق ما يخدم المصالح الطبقية للطبقة الحاكمة ويوسع قاعدتها الاجتماعية. ويعتبر النهب الممنهج إحدى دعامات تبرير منطق الخوصصة.
سيحتد هذا الهجوم النيوليبرالي مع توسيع دوامة الانفتاح وانضمام المغرب إلى منظمة التجارة العالمية في سنة 1994 والخضوع لإملاءاتها، والتمسك بمبادئها في اتفاقيات التبادل الحر مع أقطاب الإمبريالية (الأوروبية والأمريكية)، وتسليع الخدمات العمومية من خلال ما يسمى بالاتفاق العام حول تجارة الخدمات (AGCS).
هكذا جرى تنبي ميثاق التربية والتكوين: فحسب الاتفاقية العامة حول تجارة الخدمات، لا حق في منح امتيازات للنظام العمومي على حساب الكليات الخاصة والتعليم الخاص. وبالتالي، توجد هناك بالنسبة للتعليم أوالية تفرغ من المحتوى أي تدخل يرمي بالضبط إلى تشريك عدد من النفقات والخدمات. إنها مسألة بالغة الخطورة.
كما جرى ضرب مجانية الخدمات الصحية: ضعف بنيوي من حيث عدد المستشفيات العمومية وعدد الأسرة (92 سرير لكل 100 ألف شخص سنة 1998)، ونقص مهول في الأدوية والمعدات، حيث لا تتجاوز النفقات الصحية بالمغرب 4.5% من الناتج القومي الخام. واقع مزري سيتفاقم مع تطبيق مقتضيات منظمة التجارة العالمية التي تقول بأن، ليس للدولة أي حق ، عند وجود مستشفيات و مصحات خاصة الى جانب مستشفيات عمومية ، في مد هذه الأخيرة بإعانات بذريعة انها معاملة غير متساوية على حساب المصحات الخاصة . مما يعني الدفع بجعل قطاع الصحة مجالا للاستثمار تحكمه المنافسة ومنطق الربح. هكذا وضعت الدولة في سنة 1998 خطة شاملة ترتكز على إلغاء ما تبقى من خدمات عمومية صحية وتنمية دور القطاع الخاص. كما أقدمت على إصدار مرسوم 30 مارس 1999 الذي يلغي مجانية الخدمات الصحية العلاجية.
ومن جهة أخرى، قبل الدولة بمنطق اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل في بنودها منع استنساخ الأدوية الذي سيضرب في الصميم حق المواطن في العلاج ويرهنه بإرادة المركبات الصيدلية العالمية. إنه منطق نيوليبرالي يقوم على تنمية أرباح الشركات الكبرى على حساب مستضعفي هذا البلد.
3. التدبير المفوض للخدمات العمومية الشبكة: ضرب المبدأ التضامني وربط الاستفادة من الخدمة بالتكاليف الفعلية
جرى التنصيص على مبدأ التدبير المفوض في الميثاق الجماعي الذي جرى تعديله في 2002. فالمادة 39 من هذا القانون (قانون 00.78 بتاريخ نونبر 2002 كما جرى تعديله وتتميمه في أبريل 2003)، تنص على أن المجلس الجماعي " يقرر في إحداث و تدبير المرافق العمومية خاصة في القطاعات التالية: التزود بالماء الصالح للشرب وتوزيعه، توزيع الطاقة الكهربائية، التطهير السائل، جمع الفضلات المنزلية و النفايات المشابهة لها و نقلها و ايداعها بالمطرح العمومي و معالجتها، الإنارة العمومية، النقل العمومي الحضري، السير والجولان وتشوير الطرق العمومية، نقل المرضى والجرحى، الذبح ونقل اللحوم والأسماك، المقابر ومرفق نقل الجثث. و يقرر المجلس في طريقة تدبير المرافق العمومية عن طريق الوكالة المباشرة و الوكالة المستقلة و الامتياز و كل طريقة اخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للقوانين و الانظمة المعمول بها." هذا الجديد الذي يتضمنه الميثاق الجماعي الحالي ليس سوى تفعيلا لما جاء به اتفاق AMI حول الاستثمار الذي سبق للحركات الاجتماعية الاوروبية ان تصدت له، عبر جعل القوانين المحلية تخدم مصالح الشركات الاجنبية. وهو محاولة لتطبيق توصيات منظمة التجارة العالمية لتسهيل مساطر جعل الخدمات العمومية مجالا للاستثمار الرأسمالي على المستويات المركزية والمحلية.
ومما يزيد من سهولة تطبيق هذه الإملاءات التي تخدم مصالح الرأسمال وتضرب في العمق مصلحة المستهلكين، طبيعة المنتخبين الذين لا يعبرون عن طموحات الشعب الفعلية بقدر ما هم أداة لتمويه مؤسسات مزيفة، علاوة على وصاية وزراة الداخلية على المجالس الجماعية وقرارات توسيع سلطة العمال والولاة لتشمل أيضا التدخل في توجيه مجال الاستثمار وتشجيعه.
ومن حيث الجوهر، ليس تفويض خدمة عمومية خوصصة هذه الوظيفة بقدر ما هي تحويل محدود لتدبير المرفق تحت الرقابة السياسية للمفوض الذي يحتفظ بملكية الأملاك وبالمسؤولية الجنائية لنتائج تدبيره. وعلاوة على ميكانيزمات النظام السياسي والمؤسسات المزيفة التي يرتكز عليها والتي تسمح للرأسمال الكبير الأجنبي والمغربي بمواصلة ضخ أرباحه على حساب المستضعفين دون مراعاة الشكليات القانونية، يطرح هذا التفويض مشكلتين جوهريتين قد تشكلان قاعدة اشتغال جمعية أطاك:
- تكمن الأولوية لدى الشركة المفوض إليها في تحقيق ربح أقصى، مما يؤدي إلى تردي نوعية الخدمة المقدمة وارتفاع أثمانها بشكل صاروخي. وتنتج عن ذلك انقطاعات متكررة خصوصا لدى دخل الفئات الشعبية التي يصعب عليها تحمل تلك الزيادات.
عكس التوزيع العمومي الذي يرتكز على التعاضد الاجتماعي، يتميز التوزيع الخاص بجعل الخدمة العمومية سلعة مرتبطة بالقدرة على الأداء خدمة للرأسمال.
4. بعض تجارب التدبير المفوض واحتجاجات السكان ضد غلاء الفواتير
هناك أربع تجارب كبيرة في مجال التدبير المفوض لتوزيع الماء الصالح للشرب والطاقة الكهربائية والتطهير السائل: ليديك بالبيضاء (1997)، وريضال بالرباط (1998)، وأمانديس بكل من طنجة وتطوان (2002). وهي شركات تعالج ما يقارب ثلثي (67%) نشاط توزيع الماء، و تتركز في المدن ذات كثافة سكانية كبيرة، حوالي ثلث سكان المغرب.
و إذا أخدنا عدد السكان المرتبطين بشبكة توزيع الماء الصالح للشرب بالمغرب، نجد أن 40% منهم تتكلف بهم الشركات الخاصة، و 35% للوكالات، و25% للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب.
توجد أكثر من 80 شركة خاصة للنقل الحضري في أكثر من 32 مدينة. وهناك 20 جماعة أو مدينة أقامت عقد التدبير المفوض في قطاع النفايات الصلبة، و50 جماعة في قطاع التطهير السائل.
وتعرف هذه المدن التي صادقت مجالسها الجماعية على عقد التدبير المفوض زيادات صاروخية في ثمن فاتورات الماء الصالح للشرب والطاقة الكهربائية، وأثارت موجة سخط كبيرة لدى السكان. فقد شهدت مدينة تطوان وطيلة المدة الممتدة بين شهري أبريل وماي 2002 نضالات واحتجاجات وذلك على بعد مرور 100 يوم تقريبا من فوز شركة امانديس بالتدبير المفوض لخدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل بالمدينة. كما عرفت مدينة الرباط حركات احتجاجية مكثفة سنة 2002 لعبت فيها مجموعة أطاك الرباط أدوارا رائدا في التوعية والتأطير.
إنها نضالات جماهيرية عفوية خلقت متاعب كبرى للشركات الأجنبية وإحراجا كبيرا للجماعات التي منحت عقد التدبير المفوض.
ستتدعم هذه الاحتجاجات بتعبئات تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار التي شكلت تجربة نوعية في تاريخ الاحتجاج الشعبي من أجل الدفاع عن أدنى متطلبات العيش.
لكن هذه التعبئة الشعبية مازالت متواضعة ومازالت تحتاج لمجهودات جبارة من طرف جميع المناضلين ضد العولمة الليبرالية وضمنها أطاك المغرب، لكي لتستمر بوتيرة مرتفعة ووتتسع لتكون في مستوى الهجوم الكبير الذي تشنه الدولة.
5. بديلنا
يفتح قانون التدبير المفوض الباب واسعا لمواصلة سيرورة منح الخدمات العمومية للرأسمال الذي سيستحوذ عليها من أجل الربح على حساب جماهير المستضعفين الذين لن لا يستفيدوا سوى من خدمات رديئة. هذا هو نموذج التنمية الذي تحكم به الدولة على المواطنين. فما كان مرتجلا البارحة في مخططات التقويم الهيكلي، صار اليوم أكثر تماسكا، ويشكل كل من فتح الحدود ومنح حرية كاملة للرساميل واحترام متطلباتها للاستثمار والتقيد بالتزامات المؤسسات المالية العالمية... دعامات رئيسية لسياسة الدولة المغربية.
إننا في أطاك المغرب لن نقبل بهذا النموذج، وتشهد سيرورة نضال الجمعية منذ نشأتها على قدرتنا في بلورة بدائل تنمية ممكنة في صالح الفئات الشعبية العريضة، وفي تعبئة احتجاجات من باطن المجتمع ومرافقتها.
إننا ندافع عن منطق التشريك الجماعي للخدمات العمومية ضد المنطق التجاري الذي يرتكز على الربح الخاص. وليس دفاعنا عن الخدمات العمومية دفاعا عن القطاع العام ضد القطاع الخاص، بل الدفاع عن تغطية شاملة وعمومية للحاجات الاجتماعية. فالقطاع العام في ظل الاستبداد السياسي الحالي ما هو إلا مرتع للنهب وتدعيم للقاعدة الطبقية للحكم. وبالتالي، فدفاعنا عن الخدمات العمومية يرتبط أوثق الإرتباط بمطالبنا الديمقراطية التي ترتكز على إشراك الشعب في تحديد مصيره بنفسه وتسطير سياساته وتحديد آليات مراقبته.
تفرض العولمة النيوليبرالية منافسة حادة تدفع باتجاه تقليص الطابع التعاضدي الجماعي للخدمات العمومية وجعله حقلا للإستثمار وتحقيق الأرباح. لذا، فالنضال من أجل الدفاع عن الخدمات العمومية جزء لا يتجزأ من النضال ضد العولمة الليبرالية وضد أدواتها الفعلية (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية...) في إطار التعبئات العالمية من أجل عولمة بديلة.
أزيكي عمر.

ليست هناك تعليقات: